للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• بيان الاستدراك:

استدرك السرخسي على الجصاص تعريفه للعام بقوله: (ما ينتظم جمعًا من الأسماء أو المعاني) بأن قوله: (أو المعاني) غلط؛ لأن تعدد المعاني حقيقة لا يكون بتعدد أفرادها في الخارج؛ بل بتعددها في الذهن، وذلك لا يكون إلا عند اختلافها، فإذا رأيت إنسانًا وثبت في ذهنك معناه، ثم رأيت آخر وآخر؛ لا يثبت معنى آخر في ذهنك، فمعنى الإنسان عام في الذهن لجميع الناس وإن كان إنسانية زيد في الخارج غير إنسانية عمرو وخالد؛ ولكن إذا رأيت أسدًا أو ذئبًا أو فرسًا أو غيرها يثبت معنى آخر في ذهنك غير المعنى الأول، فثبت أن تعدد المعاني إنما يكون عند اختلافها، وذلك بتعدد أفرادها في الذهن، وحينئذ لا يتناولها لفظ واحد على سبيل الشمول كما هو في العام؛ وإنما يتناولها اللفظ على سبيل البدل، وذلك يسمى (مشتركًا)، والمشترك لا عموم له عند الحنفية.

وبما أن الجصاص نص في كتابه على أن المشترك لا عموم له عند الحنفية (١) فيكون قوله: (أو المعاني) سهوًا منه في العبارة أو مؤولاً، وتأويله: أن يحمل كلامه على المجاز لا الحقيقة، فيكون مراده: أن المعنى الواحد باعتبار أنه يعم المحال يسمى مجازًا؛ فإنه يقال: مطر عام؛ لأنه عم الأمكنة، وكلفظ (الإنسان) مثلاً فإنه لا يتناول الأشخاص الداخلة تحته إلا بمعنى الإنسان، ثم ذلك المعنى لما كان متعددًا في الخارج فإن إنسانية زيد في الخارج غير إنسانية عمرو وخالد، وإن كان متحدًا حقيقة سماه معاني مجازًا. وهذا التأويل إنما يصح لو قال الجصاص في تعريف العام: ما ينتظم جمعًا من الأسامي والمعاني، (بالواو) بدل (أو)؛ وذلك لأن (الواو) لمطلق الجمع؛ فيصح هذا التأويل، ويصير تقدير كلامه: العام: ما يتناول جمعًا من المسميات مع المعنى الذي به صارت متفقة، ولكنه سماه معاني مجازًا، وهذا هو تفسير العام عند الحنفية،


(١) لم أقف على هذا في كتاب الفصول في الأصول، لعله في الجزء المفقود.

<<  <   >  >>