للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• بيان الاستدراك:

استدرك الإمام الجويني على من سبقه من الأصوليين جعل آية القذف مثالاً لمسألة (تعقب الاستثناء جملاً معطوفة بعضها على بعض)، فالآية خارجة عن محل النزاع.

وتوضيح ذلك: أن الإمام الجويني فرق بين المفردات والجمل، فإذا ورد الاستثناء بعد المفردات فإنه يعود على الجميع، وأما الجمل ففرق بين كون معاني الجملة متفقة أو مختلفة، فإذا كانت المعاني في الجملة متفقة عاد الاستثناء على الجميع، وأما إذا كانت المعاني في الجملة مختلفة اختص الاستثناء بالجملة الأخيرة.

وبهذا التقسيم يتضح أن آية القذف خارجة عن القسمين (١) جميعًا؛ وذلك لأن قوله تعالى: {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} ليس حكمًا في الجملة، بل هو تعليل لحكم الجملة: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا}.

• المثال الثاني:

قال الصفي الهندي في مسألة (تخصيص العموم بمذهب الراوي الصحابي): "مثاله: ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي - عليه السلام - أنه قال: «مَنْ بدَّلَ دِينهُ فَاقتُلُوهُ» (٢)، فهذا عام في الرجال والنساء؛ لكن مذهبه أن المرتدة لا تقتل (٣)،


(١) القسم الأول: الجمل المتفق معانيها. القسم الثاني: الجمل المختلف معانيها.
(٢) يُنظر: صحيح البخاري، ك: الجهاد والسير، ب: لا يُعَذَّب بعذاب الله، (٣/ ١٠٩٨/ح: ٢٨٥٤). وأخرجه أيضًا في ك: استتابة المرتدين، ب: حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم، (٦/ ٢٥٣٧/ح: ٦٥٢٤).
(٣) أي مذهب ابن عباس أن المرتدة لا تقتل، وروي في ذلك أثر من طريق أبي حنيفة عن عاصم بن أبي رزين عن ابن عباس قال: (النساء لا يقتلن إذا هن ارتددن عن الإسلام؛ لكن يحبسن، ويدعين إلى الإسلام، ويجبرن عليه). يُنظر: مصنف عبدالرزاق، ك: اللقطة، ب: كفر المرأة بعد الإسلام، (١٠/ ١١٧)؛ مصنف ابن أبي شيبة، ك: الحدود، ب: في المرتدة ما يصنع بها، (٥/ ٥٦٣/ح: ٢٨٩٩٤)، ك: السير، ب: ما قالوا في المرتدة عن الإسلام؛ (٦/ ٤٤٢/ح: ٣٢٧٧٣)، سنن الدارقطني، ك: الحدود والديات، (٣/ ١١٨ - ١١٩)؛ سنن البيهقي الكبرى، ك: المرتد، ب: قتل من ارتد عن الإسلام إذا ثبت عليه رجلاً كان أو امرأة، (٨/ ٢٠٣/ح: ١٦٦٤٨)، وقال: "والذي روى هذا ليس ممن يثبت أهل الحديث حديثه". وقال الزيلعي: "أسند الدارقطني عن يحيى بن معين قال: كان الثوري يعيب على أبي حنيفة حديثًا كان يرويه ولم يروه غير أبي حنيفة عن عاصم بن أبي رزين". نصب الراية (٣/ ٤٥٨). وقال ابن حجر: "ما أخرجه الدارقطني عن ابن عباس رفعه: (لا تقتلوا المرأة إذا ارتدت)، قال الدارقطني: "لا يصح؛ وفيه عبدالله بن عيسى وهو كذاب". وذكر ابن حجر الروايات عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في عدم قتل المرتدة، وذكر أنها لا تثبت. يُنظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية (٢/ ١٣٦).

<<  <   >  >>