للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم ينقل عن الشافعي ولا عن أبي حنيفة - رضي الله عنهما - نص في ذلك؛ ولكن فروعهم تدل على ذلك، وهذا خطأ في نقل المذاهب؛ فإن الفروع تبنى على الأصول ولا تبنى الأصول على الفروع، فلعل صاحب المقالة لم يَبْنِ فروع مسائله على هذا الأصل؛ ولكن بناها على أدلة خاصة، وهو أصل يعتمد عليه في كثير من المسائل" (١).

• المثال الثاني:

وخرج القاضي أبو يعلى أصلاً للإمام أحمد في إباحة الأعيان المنتفع بها قبل الشرع أخذًا من إيماء أحمد في رواية أبي طالب (٢) وقد سأله عن قطع النخل، فقال: لا بأس به، لم نسمع في قطع النخل شيئًا. قيل له: فالنَّبْق (٣)؟ قال: ليس فيه حديث صحيح، وما يعجبني قطعه. قلت له: إذا لم يكن فيه حديث صحيح؛ فلِمَ لا يعجبك؟ قال: لأنه على كل حال قد جاء فيه كراهة، والنخل لم يجئ فيه شيء. فقد استدام أحمد - رحمه الله - الإباحة في قطع النخل؛ لأنه لم يرد شرع بحظره" (٤).

فتعقب ابن تيمية هذا التخريج من هذه الرواية فقال: "لا شك أنه (٥) أفتى بعدم البأس؛ لكن يجوز أن يكون للعمومات الشرعية، ويجوز أن يكون سكوت الشرع


(١) الوصول إلى الأصول (١/ ١٤٨ - ١٥٠).
(٢) هو: أبو طالب، أحمد بن حميد المشكاني، من أصحاب الإمام أحمد الذين رووا عنه مسائل كثيرة، وكان الإمام يكرمه، وكان رجلاً زاهدًا، مات قريبًا من موت الإمام أحمد.

تُنظر ترجمته في: طبقات الحنابلة (١/ ٣٩).
(٣) النبق: حمل السدر. يُنظر: الصحاح (ص: ١٠١٧)؛ القاموس المحيط (ص: ٩٢٥) مادة: (نبق). وفي التمهيد لأبي الخطاب: (قيل: فالسدر؟ قال: ليس فيه حديث صحيح). (٤/ ٢٦٩).
(٤) العدة (٤/ ١٢٤١)، ونقل عنه هذا التخريج أبو الخطاب والبعلي والفتوحي. يُنظر على الترتيب المذكور: التمهيد لأبي الخطاب (٤/ ٢٦٩)؛ القواعد والفوائد الأصولية (ص: ٩٢)؛ شرح الكوكب المنير (١/ ٣٢٦).
(٥) أي: الإمام أحمد.

<<  <   >  >>