للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يستخدمه العرب كمحسن بلاغي (١).

كما أن تقييد موضوع الاستدراك بالخلل يخرج الاستدراك بصيغة (أفعل) للتفضيل؛ كقولهم: الأصوب، الأرجح، الأولى.

وقولها: "في نظر المتلافي" هذا القيد غير لازم؛ لأن المستدرِك قد يستدرك على المستدرَك عليه بلازم له في مذهبه وهو لا يرى ذلك اللازم، بعبارة أخرى: الخصم قد يستدرك على المستدل في دليله بلازم مذهبه -أي مذهب المستدل-، فإن نفى المستدل هذا اللازم انتفى مذهبه؛ لأن انتفاء اللازم انتفاء للملزوم، في حين أن هذا اللازم لو نفاه الخصم لا يترتب عليه شيء؛ لأنه ليس بلازم في مذهب الخصم، وبعبارة الباحثة هذا اللازم خلل للمستدل، وليس بخلل للخصم، وبالتالي ثبت أن تلافي الخلل لا يشترط فيه نظر المتلافي؛ لأن المتلافي هنا الخصم.

كما أن صور الاستدراك الفقهي في العبادات التلافي فيها ليس من نظر المتلافي؛ بل من نظر الشارع؛ فمثلاً: سجود السهو والفدية والكفارات استدراك في نظر الشارع؛ وليس من نظر المتلافي.


(١) ومن ذلك: قول زهير: أخو ثقة لا تهلك الخمر ماله ... ولكنه قد يُهلك المالَ نائلُه
فلو اقتصر زهير في بيته على صدر البيت لدل على أن ماله موفور ولأوهم البخل وهي صفة ذم؛ ولكنه استدرك ما يزيل هذا الاحتمال ويخلص الكلام للمدح بالشطر الثاني. يُنظر: عقود الجمان (ص: ١٣٢)؛ معجم المصطلحات البلاغية (١/ ١٢٥).
ودليل وقوع الاستدراك كمحسن بلاغي في القرآن قول السيوطي - رحمه الله -: "الاستدراك والاستثناء شرط كونهما من البديع: أن يتضمَّنا ضربًا من المحاسن زائدًا على ما يدلُّ عليه المعنى اللُّغوي؛ مثال الاستدراك: {* قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: ١٤]؛ فإنه لو اقتصر على قوله: {لَّمْ تُؤْمِنُوا} لكان منفرًا لهم؛ لأنهم ظنوا الإقرار بالشهادتين من غير اعتقاد إيمانًا، فأوجبت البلاغة ذكر الاستدراك لِيُعلمَ أن الإيمان موافقة القلب واللسان، وأن انفراد اللسان بذلك يُسمَّى إسلاماً؛ ولا يُسمَّى إيمانًا، وزاد ذلك إيضاحًا بقوله: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}، فلما تضمن الاستدراك إيضاح ما عليه ظاهر الكلام من الإشكال عُدَّ من المحاسن". الإتقان في علوم القرآن (٥/ ١٧٤٦).

<<  <   >  >>