للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عند الفقهاء بإلحاق الفرد بالأعم الأغلب، ويختلف فيه الظن باختلاف الجزئيات، فكلما كان الاستقراء فيه أكثر كان أقوى ظنًّا. وهذا النوع اختلف فيه، والأصحُّ: أنَّهُ يُفيد الظّنَّ الغالب، ولا يُفيدُ القطع؛ لاحتمال تخَلُّفِ بعض الجزيئات عن الحكم. (١)

مثاله: قول المستدِل بعدم وجوب الوتر: الوتر يؤدى على الراحلة، وكل ما يُؤدى على الراحلة لا يكون واجبًا.

فالمقدمة الأولى - الوتر يؤدى على الرحلة- ثبت بالإجماع.

والمقدمة الثانية - كل ما يؤدى على الراحلة لا يكون واجبًا- فباستقراء وظائف اليوم والليلة أداءً وقضاءً، وهذا الاستقراء ناقص. (٢)

والمنهج الاستقرائي منهج معتبر عند علماء المسلمين؛ ومنهم الإمام الشاطبي؛ حيث حدد في بداية كتابه الموافقات المنهج الذي سيسلكه فقال: "ولما بدا من مكنون السرِّ ما بدا، ووفق الله الكريم لما شاء منه وهدى؛ لم أزل أُقيِّدُ من أوابده (٣)، وأضمُّ من شوارده (٤) تفاصيل وجُملاً، وأسوق من شواهده في مصادر الحكم وموارده مبيَّنًا لا مجملاً، معتمدًا على الاستقراءات الكلية، غير مقتصر على الأفراد الجزئية، ومبيِّنًا أصولها النقلية، بأطراف من القضايا العقلية، حسبما أعطته الاستطاعة والمنَّة، في بيان مقاصد الكتاب والسنة" (٥).

فالمراد بمنهج الاستدراك الاستقرائي: طريقة التعقيب على الخصم بتتبع جزئيات لإثبات حكم كلي مخالفًا لحكمه في نفسه.


(١) يُنظر: التحبير شرح التحرير (٨/ ٣٧٨٩)؛ نهاية السول (٢/ ٩٤٠)؛ تيسير التحرير (١/ ٤٦).
(٢) يُنظر: نهاية السول (٢/ ٩٤٠)؛ تيسير التحرير (١/ ٤٦).
(٣) أوابد الكلام: غرائبه وعجائبه. ويقال للشوارد من القوافي: الأَوابد. يُنظر: لسان العرب (١/ ٣٢)؛ المعجم الوسيط (ص: ٣٢) مادة: (أبد).
(٤) شوارد اللغة: غرائبها ونوادرها. يُنظر: المعجم الوسيط (ص: ٥٠٨) مادة (شرد).
(٥) الموافقات (١/ ٩).

<<  <   >  >>