للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنما زاد الشارع في أحكامها قيودًا وشروطًا (١): بأن هذه الحقائق - أي الشرعية- لو ثبتت - كما قلتم - لم تكن عربية، ولو لم تكن عربية لم يكن القرآن عربيًا؛ لكن القرآن عربي، ونفي اللازم نفي الملزوم، وهذا قياس الخُلف.

فقولهم: (لو لم تكن عربية لم يكن القرآن عربيًا) هذه المقدمة الكبرى.

والملزوم فيها: (لو لم تكن عربية).

واللازم قوله: (لم يكن القرآن عربيًا).

وقوله: (لكن القرآن عربي) فهذه هي المقدمة الصغرى، وبه حصل انتفاء اللازم، ودليل انتفاء اللازم -وهو أن القرآن عربي- ثابت بالنص؛ كقوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: ٢]، وقوله: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء: ١٩٥]، ونحوها من الآيات الدالة على أن الله تعالى لم يخاطبهم في كتابه بشيء من غير لغتهم، ولأن الأمة مطبقة على إطلاق القول بأن الله ما بعث نبيه وخاطب المكلفين على لسانه إلا باللسان العربي (٢).

وإذا انتفى اللازم - وهو قوله: (لم يكن القرآن عربيًا) - انتفى الملزوم - وهو قوله: (لو لم تكن عربية) - فتكون عربية، والعربي ما وضعته العرب، فتكون هذه الحقائق من موضوعات العرب؛ وليست من موضوعات الشرع، فثبت أن الشرع أبقى هذه الحقائق على ما وضعته العرب، وزادها شروطًا شرعية.

فاستدرك الطوفي على استدلال هذا القول بقادح التقسيم فقال: ماذا أردتم بقولكم: (إن العرب لم تضعها؟ )، إن أردتم لم تضعه وضعًا أوليًا في اللغة؛ فهذا نسلم به؛ لكن لا يلزم منه أن لا تكون هذه الحقائق - أي الشرعية - عربية. ودليل ذلك


(١) وهذا قول القاضي الباقلاني، والقاضي أبي يعلى، وأبي الوليد الباجي. يُنظر على الترتيب المذكور: مختصر التقريب والإرشاد (١/ ٣٨٧)؛ العدة (١/ ١٩٠)؛ إحكام الفصول (١/ ٢٩٨).
(٢) يُنظر: مختصر التقريب والإرشاد (١/ ٣٩٢).

<<  <   >  >>