للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فاستدرك عليه الشيرازي بقادح الكسر، إذا تساوتا في إثبات الحكم فهذا ليس دليلاً على تساويهما عند التعارض، فقولك بأنهما (سواء في إثبات الحكم) ينكسر بالخبر والقياس؛ إذ إنهما يتساويان في إثبات الحكم، ثم عند التعارض لا يتساويان؛ بل يقدم الخبر على القياس.

• المثال الثاني:

قال ابن رشد في مسألة (العمل بخبر الواحد): "فأما قول الله - عز وجل -: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} [التوبة: ١٢٢]؛ فرأى بعضهم أنها قاطعة في العمل بأخبار الآحاد؛ إذ الطائفة تقع على النفر اليسير الذين لا يحصل اليقين بقولهم.

وأبو حامد يرى أنها ليست بقاطعة إلا في وجوب الإنذار, قال: وليس يلزم من وجوبه عليهم وجوب العمل به كما يجب على الشاهد الواحد؛ إذ الشهادة لا يعمل بها، قال: وبمثل هذا الاعتراض يضعف التمسك بقوله - عز وجل -: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [البقرة: ١٥٩]، وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: «نضَّرَ اللهُ امرءاً سَمعَ مقالتي فوَعَاهَا وَأدَّاهَا كَمَا سَمِعهَا» (١) الحديث (٢) " (٣).

فاستدرك ابن رشد على الغزالي بقوله: "وهذا القول منه لا معنى له؛ لأنه ما فائدة وجوب الإنذار إذا لم يجب العمل بنقلهم؟ ! وليس يشبه هذا الشاهد؛ فإنه إنما وجب عليه أداء الشهادة رجاء أن يأتي من عنده مثل شهادته فيقع العمل بها، اللهم إلا أن يقول القائل: عسى إن وجد الإنذار إنما لزم الآحاد ليتكثروا حتى يقع العلم


(١) أقرب رواية للفظ المذكور ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده (٤/ ٨٠/ح: ١٦٧٨٤) (٤/ ٨٢/ح: ١٦٨٠٠)؛ سنن الترمذي، ك: العلم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ب: ما جاء في الحث على تبليغ السماع، (٥/ ٣٤/ح: ٢٦٥٨).
(٢) يُنظر: المستصفى (٢/ ٢١١ - ٢١٢).
(٣) يُنظر: الضروري في أصول الفقه (ص: ٧٢).

<<  <   >  >>