للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الضروري بقولهم؛ لكن هذا ينكسر مما تقدم من أن ذلك كان يؤدي إلى تعطيل أكثر الأحكام. وإنما يشبه أن يظن أن الآية ليست بقاطعة ولا نصًّا في العمل بأخبار الآحاد، من جهة أن (الطائفة) اسم يقع على النفر اليسير والعدد الكثير الذي يمكن أن يقع اليقين بقولهم؛ بدليل قوله: «لا تزَالُ طَائفَةٌ من أمَّتِي» (١) الحديث؛ لكن الآية أظهر في أنه ليس المراد بالطائفة ههنا من يحصل العلم بنقلهم" (٢).

• بيان الاستدراك:

ذكر ابن رشد أن بعض العلماء استدل بقوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} [التوبة: ١٢٢] في حجية العمل بخبر الواحد؛ حيثُ رأى أنها قاطعة في العمل بأخبار الآحاد؛ إذ معنى (الطائفة) يقع على النفر اليسير الذين لا يحصل اليقين بقولهم.

ثم ذكر استدراك الغزالي على الاستدلال بالآية في حجية خبر الواحد؛ حيث يرى أنها ليست بقاطعة في وجوب العمل على المُنذَر عند اتحاد المُنذِر؛ بل هي قاطعة في وجوب الإنذار, وقاس خبر المنذر بشهادة الواحد؛ فكما يجب على الشاهد الواحد إقامة الشهادة ولا يجب العمل بها لوحدها إلا إذا انضم غيرها إليها؛ فكذلك خبر المنذر يجب عليه إقامته ولا يجب العمل به لوحده إلا إذا انضم إليه غيره، فالآية عنده ليست قاطعة في وجوب العمل؛ بل في وجوب الإنذار. وبمثل هذا الاعتراض يضعف التمسك بقوله - عز وجل -: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى}


(١) والحديث في الصحيحين، وتكملته: «لا تزال طَائفَةٌ من أمَّتِي ظَاهرِينَ حتى يَأْتِيَهمْ أَمرُ اللهِ وَهمْ ظَاهِرونَ»، وهذا لفظ البخاري، يُنظر: صحيح البخاري، ك: الاعتصام بالكتاب والسنة، ب: قول النبي: - صلى الله عليه وسلم - لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق وهم أهل العلم، (٦/ ٢٦٦٧/ح: ٦٨٨١)؛ صحيح مسلم، ك: الإيمان، ب: نزُولِ عيسى بن مريم حاكمًا بشريعة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، (١/ ١٣٧/ح: ١٥٦)؛ ك: الإمارة، ب: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم، (٣/ ١٥٢٣ - ١٥٢٤/ح: ١٩٢٠، ١٩٢٣).
(٢) يُنظر: الضروري في أصول الفقه (ص: ٧٢).

<<  <   >  >>