[البقرة: ١٥٩]، وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: «نضَّرَ اللهُ امرءاً سَمعَ مقالتي فوَعَاهَا وأدَّاهَا كَمَا سَمِعهَا»؛ فإن الاستدلال بهما لا يدل على قطعية وجوب العمل على المُبلَّغ، بل هي قاطعة في وجوب التبليغ.
فاستدرك ابن رشد على استدرك الغزالي: بأن قوله هذا لا معنى له؛ لأنه لا يبقى فائدة في وجوب الإنذار إذا لم يعمل بنقلهم، وهذا لا يشبه ولا يقاس على الشاهد، فإن الشاهد إنما وجب عليه أداء الشهادة رجاء أن يأتي من عنده مثل شهادته فيُدلي بها، فيقع العمل بشهادتهم.
ثم قدر ابن رشد استدراكًا على قوله بأن يقول القائل: إن خبر المنذر يشبه الشاهد في هذا المعنى الذي ذكرته أيضًا؛ وذلك أن وجوب الإنذار على المُنذِر يلزم الآحاد ليتكثروا على تبليغ الإنذار، بعبارة أخرى: أن وجوب تبليغ الخبر يلزم كل من سمع هذا الخبر تبليغه حتى يقع العلم الضروري.
فأجاب ابن رشد على هذا الاستدراك المقدر بقادح الكسر؛ حيث وجدت الحكمة (وجوب الإنذار حتى يقع العلم الضروي) دون الحكم (عدم وجوب العمل بقول المنذر)، فانتقض قولكم بوجوب قبول خبر الواحد في القضاء بالشهود والأيمان والحكم بالاجتهاد وغيرها من الأحكام؛ حيث وجب التبليغ ووجب العمل به، وسبب انعدام الحكم لأن اعتباره يؤدي إلى تعطيل أكثر الأحكام.
ثم ذكر ابن رشد أن الاستدلال بالآية يمكن أن يُعترض عليه من جهة أخرى؛ وهي أن الآية ليست بقاطعة الدلالة، ولا نصًّا في العمل بأخبار الآحاد؛ وذلك لأن لفظ (الطائفة) يقع على النفر اليسير، ويقع كذلك على العدد الكثير الذي يمكن أن يقع اليقين بقولهم. ودليل أن لفظ (الطائفة) يستخدم في العدد الكثير قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزَالُ طَائفَةٌ من أمَّتِي» الحديث.
ثم ذكر أن الظاهر المراد بلفظ (الطائفة) ليس من يحصل العلم بنقلهم؛ بل النفر اليسير.