الحالة نحكم على السابق من حيث الجملة أنه هو البيان، والثاني يكون تأكيدًا.
الحالة الثالثة: أن يختلف القول والفعل في الدلالة على الحكم، وضرب له مثال آية الحج مجملة، فأيهما يكون البيان: قوله: «من أَحرَمَ بالْحَجِّ وَالْعمْرَةِ أَجزَأَهُ طوَافٌ وَاحدٌ وَسَعيٌ وَاحدٌ عنهما حتى يَحلَّ مِنْهمَا جميعا»، أو فعله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قرن فطاف طوافين، وسعى سعيين؟
اختلف الأصوليون: فاختار الرازي وأتباعه وابن الحاجب: أن الراجح هو القول؛ سواء كان المتقدم أو المتأخر أو لم يعلم تاريخهما. وسبب ترجيحه للقول: أن القول يدل بنفسه، في حين أن الفعل لا يدل إلا بواسطة أحد أمور ثلاثة؛ وهي:
١ - أن يعلم ذلك بالضرورة من قصده - صلى الله عليه وسلم -.
٢ - أن يقول - صلى الله عليه وسلم -: هذا الفعل بيان للمُجمل.
٣ - بالدليل العقلي؛ بأن يذكر المُجمل وقت الحاجة إلى العمل به، فيفعل فعلاً يصلح أن يكون بيانًا للمُجمل.
واختار أبو الحسين البصري: أن المتقدم هو المُبيِّن دائمًا؛ سواء كان المتقدم القول أو الفعل؛ وذلك لأن خطاب المجمل إذا تعقبه ما يجوز أن يكون بيانًا له كان بيانًا له؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان.
فعلى قول أبي الحسين: إن تقدم الفعل على القول بعد المجمل، فكان فعله - صلى الله عليه وسلم - الطوافين بعد آية الحج، ثم أمر بطواف واحد، فالطواف الثاني واجب، وهذا يستلزم أن القول نسخ بالفعل، فاستلزم وجود نسخ بلا ملزم له؛ لأنه بالإمكان الجمع بين القول والفعل؛ بأن يكون القول هو البيان، وإعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما.
أما إذا كان القول المتقدم؛ فيحمل طواف النبي - صلى الله عليه وسلم - الثاني على كونه مندوبًا.
وبعد أن ذكر أمير حاج ذلك استدرك على الإسنوي؛ حيث ذهل وجعل التفريع على قول أبي الحسين تفريعًا على قول الإمام وموافقيه، وهذا خطأ منه بسبب الذهول.