للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل على انتساخه من شرعنا، ودليل أن شريعة من قبلنا تلزمنا: قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: ٩٠].

فرد عليهم السرخسي: بأن قولك: شريعة من قبلنا تلزمنا، فهذا إنما يكون بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولاً أو عملاً، وإذا ثبت أن شرع من قبلنا يصير شرعًا لنا بسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيصبح التوجه إلى الكعبة الثابت في القرآن نسخًا للسنة المقرة لشرع من قبلنا، مع أن السنة المقرة لشرع من قبلنا ما ثبت من فعله - صلى الله عليه وسلم - بمكة؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي إلى الكعبة، ثم بعد مقدمه إلى المدينة صلى إلى بيت المقدس، فانتسخت السنة بالسنة، ثم لما نزلت فرضية التوجه إلى الكعبة في الكتاب؛ انتسخت السنة بالكتاب.

ثم ذكر السرخسي ما يُثبت أن نسخ الكتاب يجوز أن يكون بغير الكتاب، واستشهد بذلك بحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قرأ في صلاته بسورة المؤمنين، فأسقط منها آية، ثم قال بعد فراغه من صلاته: «ألم يكن فيكم أُبي (١)؟

فقال: نعم يا رسول الله. قال: ما منعك أن تفتحها عليَّ؟ قال: ظننتُ أنها نسِخَت. فقال: لو نسخت لأنبأتكم بها» (٢).

فاعتقد أُبي أن الآية نسخت بغير الكتاب. ودليل أنه اعتقد النسخ بغير الكتاب: أنه لو كان النسخ بالكتاب لعلمه؛ لأنه كاتب الوحي، فلما لم يعلمه دل أن قوله: (ظننت أنها نسخت) إشارة إلى أن النسخ غير الكتاب، ولم ينكر عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتقاده ذلك، فإذا ثبت جواز نسخ التلاوة بغير الكتاب؛ فكذلك نسخ الحكم؛ لأن وجوب التلاوة والعمل بحكمها كل واحد منهما حكم ثابت بالكتاب.


(١) هو: أبو المنذر وأبو الطفيل، أُبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجاري الأنصاري المدني، سيد القراء، وكاتب الوحي، شهد العقبة الثانية وبدرًا والمشاهد كلها، وجمع القرآن في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعرض على النبي - عليه السلام - وحفظ عنه، اختلف في سنة وفاته، وأثبت الأقاويل أنه في خلافة عثمان - رضي الله عنه - سنة ثلاثين.

تُنظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (١/ ٣٨٩)؛ الإصابة (١/ ٢٧)؛ معرفة القراء الكبار (١/ ٢٨).
(٢) لم أقف عليه إلا في جامع الأصول (٥/ ٦٤٩).

<<  <   >  >>