للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: لا يخفى عليك (١) أن الاستدراك الواحد قد يشمل أكثر من صيغة, وأذكر لذلك مثالاً:

قال ابن السبكي في استدراكه على ابن الحاجب في مسألة (أدلة الإجماع): "الأدلة على أن الإجماع حجة كثيرة، واعلم أن المصنف (٢) انفرد بدليلين رآهما قاطعين، وسلك فيهما غير طريق الآمدي (٣)، ونحن لا نرتضيهما، والرأي عندنا: أن نُخِلَّ كلامه ثم نتعقبه، ثم نشير إلى ما نرتضيه نحن" (٤).

بل قد يشمل الاستدراك الواحد صيغة صريحة وأخرى غير صريحة، وأقرره بالمثال التالي:

قال الشيرازي في مسألة (دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطاب الأمة، والعكس بالعكس): "فأما إذا خاطب النبي - صلى الله عليه وسلم - بخطاب خاص في حكم؛ فإنه يكون مقصورًا عليه، ومختصًّا به، لا يدخل فيه غيره بإطلاقه؛ وإنما يدخل فيه بدليل عليه؛ كقوله: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: ١]، و {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: ١]، و {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ} [الأنفال: ٦٤ - ٦٥، ٧٠/ التوبة: ٧٣/ الأحزاب: ٤٥، ٥٠، ٥٩/الممتحنة: ١٢/ الطلاق: ١/ التحريم: ١، ٩]، وغير ذلك. ومن الناس من قال: تدخل فيه الأمة.

وهذا غير صحيح؛ لأن الخطاب لا يصلح لهم؛ وإنما يصلح له - صلى الله عليه وسلم -، ودخول المخاطب في الخطاب إنما هو بحكم صلاحه، فمن المحال دخوله في خطاب لا يصلح


(١) وعبرت بهذه الصيغة في هذا التنبيه لأن القارئ غالبًا قد تفطن لذلك؛ فقد جاء في الأمثلة السابقة للصيغة الصريحة ما يقرره.
(٢) أي ابن الحاجب. ويُنظر الدليلين في مختصره (١/ ٤٣٦ - ٤٣٧).
(٣) يُنظر: طريقة الآمدي في الاستدلال على حجية الإجماع من الكتاب والسنة والمعقول، فذكر من الكتاب خمس آيات، ومن السنة ثلاثة أدلة، ودليلاً من المعقول، وكان يورد بعد كل دليل الاعتراضات والإجابة عليها. يُنظر: الإحكام للآمدي (١/ ٢٦٧ - ٢٩٨).
(٤) رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب (٢/ ١٤٥ - ١٤٧).

<<  <   >  >>