للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الآثار السلبية أيضًا: ظاهرة نقد الحدود التي أورثت جدلاً وتعقيدًا في الحد. ومن ذلك مثلاً: حد القياس الذي ذكر فيه الأصوليون بضعة وعشرين حدًّا، وكلها مُعترضة على أصلهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والأصوليون ذكروا للقياس بضعة وعشرين حدًّا وكلها أيضا معترضة" (١).

وحمل الشاطبي في (المقدمة السادسة) حملة كبيرة على التوسع في الحدود؛ فقال: "أنَّ ما يتوقف عليه معرفة المطلوب قد يكون له طريق تقريبى يليق بالجمهور، وقد يكون له طريق لا يليق بالجمهور، وإن فُرِضَ تحقيقًا.

فأما الأول؛ فهو المطلوب، المنبَّه عليه، كما إذا طُلب معنى المَلَك؛ فقيل: إنه خَلْقٌ مِنْ خَلْق الله يتصرف فى أمره، أو معنى الإنسان؛ فقيل: إنه هذا الذى أنت من جنسه، أو معنى التخوُّف؛ فقيل: هو التنقص، أو معنى الكوكب؛ فقيل: هذا الذى نشاهده بالليل، ونحو ذلك؛ فيحصل فهم الخطاب مع هذا الفهم التقريبى حتى يمكن الامتثال.

وعلى هذا وقع البيان فى الشريعة كما قال - عليه السلام -: «الكِبْرُ بَطَر الحقِّ وغَمْطُ النَّاس» (٢)؛ ففسره بلازمه الظاهر لكل أحد، وكما تُفسَّر ألفاظ القرآن والحديث بمرادفاتها لغة، من حيث كانت أظهر فى الفهم منها، وقد بيَّن عليه السلام الصلاة والحج بفعله وقوله على ما يليق بالجمهور، وكذلك سائر الأمور، وهو عادة العرب، والشريعة عربية؛ ولأن الأمة أميَّة؛ فلا يليق بها من البيان إلا الأمي، وقد تبين هذا فى كتاب المقاصد مشروحًا، والحمد لله.

فإذًا التصورات المستعملة فى الشرع إنما هى تقريبات بالألفاظ المترادفة وما قام مقامها من البيانات القريبة.


(١) يُنظر: مجموع الفتاوى (٩/ ٨٥).
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب تحْرِيمِ الْكبْرِ وبَيَانِهِ، (١/ ٩٣/ح: ٩١).

<<  <   >  >>