للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الثاني - وهو ما لا يليق بالجمهور- فعدم مناسبته للجمهور أخرجه عن اعتبار الشرع له؛ لأن مسالكه صعبة المرام {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] كما إذا طلب معنى الملك، فأحيل به على معنى أغمض منه، وهو ماهية مجردة عن المادة أصلاً، أو يقال: جوهر بسيط ذو نهاية ونطق عقلى، أو طلب معنى الإنسان؛ فقيل: هو الحيوان الناطق المائت (١)، أو يقال: ما الكوكب؟ فيجاب بأنه جسم بسيط، كُرِىَّ، مكانه الطبيعى نفس الفلك، من شأنه أن يُنير، متحرك على الوسط، غير مشتمل عليه، أو سئل عن المكان؛ فيقال: هو السطح الباطن من الجرم الحاوى، المماس للسطح الظاهر من الجسم المحوى، وما أشبه ذلك من الأمور التى لا تعرفها العرب ولا يُوصَل إليها إلا بعد قطع أزمنة فى طلب تلك المعانى، ومعلوم أن الشارع لم يقصد إلى هذا ولا كلف به.

وأيضا فإن هذا تسور على طلب معرفة ماهيات الأشياء وقد اعترف أصحابه بصعوبته؛ بل قد نقل بعضهم أنه عندهم متعذر، وأنهم أوجبوا أن لا يعرف شاء من الأشياء على حقيقته ... فظهر أن الحدود على ما شرطه أرباب الحدود يتعذر الإيتان بها، ومثل هذا لا يجعل من العلوم الشرعية التي يستعان بها فيها، وهذا المعنى تقرر وهو أن ماهيات الأشياء لا يعرفها على الحقيقة إلا باريها؛ فتسوًّر الإنسان على معرفتها رمى في عَماية " (٢).


(١) المائت: الذي مآله الموت. يُنظر: لسان العرب (١٤/ ١٤٧)؛ القاموس المحيط (ص: ١٦١) مادة: (موت).
(٢) يُنظر: الموافقات (١/ ٦٧ - ٧٠).

<<  <   >  >>