للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لما استدرك فعلة حاطب - رضي الله عنه - عرض عمر - رضي الله عنه - قتله؛ لأنه بخطئه هذا خان الله ورسوله؛ ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينس فضل حاطب وجهاده، فجمع حسناته، وذكر بصنيعه يوم بدر، فانغمر خطأ حاطب في بحر حسناته، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «ألَيْسَ من أهْلِ بدْرٍ؟ فقال: لعَلَّ الله اطلع إلى أهْلِ بدْرٍ فقال: اعملوا ما شئْتُمْ؛ فقَدْ وجَبَتْ لكُمْ الْجنَّةُ -أو فقَدْ غفَرْتُ لكُمْ-».

وهذا المنهج في التعامل مع المستدرَك عليه علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه حتى في حياتهم الشخصية، فعن أبي هُريْرَةَ قال: قال رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يفْرَكُ مُؤْمنٌ مُؤْمنَةً؛ إن كَرهَ منها خلُقاً رضي منها آخرَ» (١). فالاستدراك على خلل الفعل الأول لا يعني هذا نكران فضل المستدرَك عليه في أُموره الأخرى، فتذكر حسناته.

ومثاله في الأصول: قول السمعاني في مسألة (جواز النسخ في الشرعيات): "واعلم أنَّ الأصوليين قد ذكروا الخلاف في هذا مع طائفة من اليهود وشرذمة من المسلمين، ونسبه الشيخ أبو إسحاق الشيرازى - رحمه الله - في كتابه (٢) إلى أبي مسلم محمد بن بحر الأصبهاني (٣)،

وهذا رجل معروف بالعلم وإن كان قد انتسب إلى المعتزلة ويعد منهم، وله كتاب كبير من التفسير وكتب كثيرة، فلا أدرى كيف وقع هذا الخلاف منه؟ ! " (٤).


(١) يُنظر: صحيح مسلم، ك: الرضاع، ب: الوصية بالنساء، (٢/ ١٠٩١/ح: ١٤٦٩).
(٢) يُنظر: التبصرة (ص: ١٥٣).
(٣) هو: أبو مسلم، محمد بن بحر الأصفهاني، المعتزلي، من الطبقة الثامنة، كان نحوياً كاتباً بليغاً، مترسلاً جدلاً متكلماً، عالماً بالتفسير وغيره من صنوف العلم، وصار عالم أصبهان وفارس. من مصنفاته: "جامع التأويل لمحكم التنزيل "أربعة عشر مجلداً على مذهب المعتزلة، و"الناسخ والمنسوخ"، وكتاب في النحو وجامع رسائله، (ت: ٣٢٢ هـ).

تُنظر ترجمته في: بغية الوعاة (١/ ٥٩)؛ فضل الاعتزال (ص: ٢٩٩، ٣٢٣)؛ طبقات المعتزلة (ص: ٩١).
(٤) يُنظر: قواطع الأدلة (٣/ ٨٠ - ٨١).

<<  <   >  >>