للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جلده جلدي، ثم قال: «ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ لِرَبِّي». [قالت:] (١) فقلت: والله إنِّي لأُحِبُّ قربك، وإنِّي لأحُبِّ أن تَعبَّدَ لربِّكَ. فقام إلى القِرْبَةِ، فتوضأ، ولم يُكثِر صَبَّ الماء، ثم قام يُصلِّي، فبَكَي حتى بَلَّ لِحْيَتَهُ، ثم سَجَد وبَكَى حتى بَلَّ الأرض ثم اضطجع على جَنْبِه فبكي إذ أتاه بلال يُؤْذِنه [بصلاة] (٢) الصبح، قالت: فقال: [يا رسول الله] (٣)، ما يُبْكِيكَ وقد غَفَر الله لك [ذنبك ما تقدم منه] (٤) وما تأخر، قال: ويحك يا بلال، وما يمنعني أن أبكي وقد أُنْزِلَ عَلَيَّ هذه الليلة: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: ١٩٠]- ثم قال: - وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا» (٥).


(١) وفي (ح): قال.
(٢) وفي (ق): لصلاة.
(٣) ليست في (ق).
(٤) وفي (ج) و (ق) و (ب): ما تقدم من ذنبك.
(٥) إسناده ضعيف: أخرجه الطحاوي في «شرح مشكل الاثار» (٤٦١٨)، وابن حبان في «صحيحه» (٦٢٠)، وفيه: أبو جناب الكلبي، وهو ضعيف لكثرة تدليسه، إلا أنه قد توبع من عبد الملك بن أبى سليمان العرزمي، وهو صدوق له أوهام، إلا أن في روايته عن عطاء كلام كما قال أحمد. «الكامل في الضعفاء» (٩/ ٥٠)، «إكمال تهذيب الكمال» (٨/ ٣١٤)، و «جامع التحصيل» (ص: ١١١)، و «تهذيب التهذيب» (١١/ ٢٠٣).
فائدة: قال أبو جعفر الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (١٢/ ٣٥): وَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنْزَالُ اللهِ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا عِنْدَ عَائِشَةَ، وَكَانَ مِنْهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ ﷿ مَا كَانَ، وَإِخْبَارُهُ عَائِشَةَ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ فِي لَيْلَتِهِ تِلْكَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، وَإِعْلَامُهُ إِيَّاهَا أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا فَوَيْلٌ لَهُ، فَقَالَ قَائِلٌ: فَهَذَا بِخِلَافِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رَوَيْتَهُ فِي هَذَا الْبَابِ؛ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ إِنْزَالَ اللهِ تَعَالَى كَانَ لِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى رَسُولِهِ لِلسَّبَبِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِهِ، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا إِنْزَالُهُ إِيَّاهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ عِنْدَ الَّذِي كَانَ مِنْهُ مِنْ صَلَاتِهِ وَرِقَّةِ قَلْبِهِ عِنْدَهَا فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَلَا تَضَادَّ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ ذِكْرُ سُؤَالِ قُرَيْشٍ رَسُولَ اللهِ ، مَا ذُكِرَ مِنْ سُؤَالِهَا إِيَّاهُ فِيهِ وَتَخْيِيرِ اللهِ ﷿ إِيَّاهُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ، وَاخْتِيَارِهِ لِسَائِلِيهِ مَا هُوَ فِي الْعَاقِبَةِ أَحْمَدُ، وَمَآلُهُمْ فِيهِ السَّبَبُ الَّذِي يَكُونُ إِيصَالًا لَهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، [ص: ٣٦] وَفَوْزًا لَهُمْ مِنْ عَذَابِهِ، وَكَانَ إِنْزَالُ اللهِ ﷿ الْآيَةَ الَّتِي أَقَامَ بِهَا الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي أَنْزَلَهَا فِيهَا عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ تَقَدَّمَ عِلْمُهُ بِالسَّبَبِ الَّذِي كَانَ مِنْ أَجْلِهِ نُزُولُهَا، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَقَدَّمَ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَعَادَ بِحَمْدِ اللهِ وَنِعْمَتِهِ جَمِيعُ الْآثَارِ الَّتِي رُوِّينَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ إِلَى انْتِفَاءِ التَّضَادِّ لَهَا، وَالِاخْتِلَافِ عَنْهَا، وَاللهُ الْمُوَفِّقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>