للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهناك من صنف الأحاديث التي رواها عن شيوخه على أبواب الفقه، فوضع كل حديث في كتابه المناسب وبابه المناسب. وهذا ما عرف "بالسنن"، كسنن أبي داود والترمذي وهناك من توسع أكثر فأضاف إلى أبواب الفقه علوماً أُخر، كالمغازي والتفسير والإيمان والتوحيد والفضائل، وغير ذلك، فكان كتاباً جامعاً، وذلك كـ: "صحيح الإمام البخاري" و"صحيح الإمام مسلم".

وهناك من سلك مسلكاً آخر وكان غرضه تجميع أحاديث الصحابة صحابياً صحابياً، وإفراد مرويات كل صحابي في كتاب، وتكوين ديوان جامع من ذلك كله، وهو ما سمي بـ"المسند".

فالمسند: هو الكتاب الذي يكون فيه حديث كل صحابي على حدة، صحيحاً كان أو حسناً أو ضعيفاً، من غير التفات إلى الموضوعات والأبواب، ويتبع في ترتيب مسانيد الصحابة طرائق عدة، فقد ترتب على حروف الهجاء، أو على القبائل، أو السابقة في الإسلام، أو الشرافة النسبية، أو غير ذلك، وقد يقتصر في بعضها على أحاديث صحايي واحد، كمسند أبي بكر، أو أحاديث جماعة منهم، كمسند الأربعة أو العشرة، أو طائفة مخصوصة يجمعها وصف واحد، كمسند المُقلِّين، ومسند الصحابة الذين نزلوا مصر إلى غير ذلك (١).

وهكذا كان "مسند الإمام أحمد" الذي يقع إلى جانبه ما يزيد على مئة كتاب بهذا العنوان، مثل: مسند الحميدي، ومسند أسد بن موسى، ومسند عَبد بنِ حُميد، ومسند الطيالسي.

متى بدأ الإمام أحمد بتصنيف مسنده؟

يرى الشيخ محمد أبو زهرة -رَحِمَهُ اللهُ- أن الإمام أحمد بدأ في تصنيف "المسند" مع بداية الطلب، أي في حدود سنة (١٨٠ هـ) قبل خروجه من بغداد (٢).

وهذا الرأي بعيد، فأما أن يكون الإمام أحمد بدأ بجمع مادة "المسند" مع بداية الطلب فذلك ما لا يجادل فيه أحد، وأما أن يكون فكَّر في "المسند" وأخذ في تصنيفه منذ ذلك الحين فهناك من الأدلة ما يخالفه، وذلك أن أحاديث الشيوخ الذين روى عنهم الإمام أحمد كانت في ذلك الوقت عبارة عن "جوامع" لمرويات الشيوخ على ما وصفنا آنفاً، وبالتالي فتصنيف "المسند" لا يمكن أن يخصل لأحد إلا بعد استشراف ما عند الشيوخ من الأحاديث ليرتبها بعد


(١) "الرسالة المستطرفة": ٦٠ - ٦١.
(٢) ابن حنبل ص: ١٦٨. دار الفكر العربي.