لكل مذهب من مذاهب الفقه ميزاته وخصائصه التي يعرف بها، ويتلون بلونها،
وتلك الخصائص إنما يرسمها عادة إمام المذهب ومؤسسه الأول.
ولا يخفى أن المذاهب الفقهية إنما نشأت نتيجة لاشتهار بعض علماء الشريعة الإسلامية بكثرة الفتوى وغزارة الإجتهاد في الوقائع أو التقديرات.
ثم إن تلك النشأة الأولى تكاملت، وتنامت عبر الزمن بفضل الجهود المتواصلة، حتى صارت عبارة عن مدارس لها ميزاتها، ومنهجها الواضح في استنباط الأحكام الشرعية، والصناعة الفقهية.
وعندما نتصفح السيرة الكاملة لإمام المذهب الواحد، والمسيرة الشاملة لأصحابه نجد جملة من الميزات والخصائص السلوكية والعملية قد تجمعت حولهم، وصاغت من يأتي بعدهم صياغة متقارية في التفكير والعمل والمنهج.
ومذهب الإمام المبجل أحمد ابن حنبل هو أحد هذه المذاهب، فيكون هو الآخر قد تفرد بميزات واختص بخصائص وسمات.
• وتلك الخصائص إنما تكونت من سيرة الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ- في مواقفه، وعلمه، وانبثت فيما بعد في أصحابه، وتوارثها الذين جاءوا من بعدهم، لما للإسلام من فضل على المسلمين في إعطاء التربية بالقدوة قيمة كبيرة في الإلتزام العملي بالشريعة.
واذا كان الإمام أحمد إمام المسلمين في السنة، وإمامهم في الحديث، فلا غرو أن نجد الأتباع من رجالات هذا المذهب قد صرفوا جهداً وافراً من اهتمامهم العلمي في العناية بالحديث الشريف وتطوير علومه.
كما تميز الحنابلة بإعطاء فريضة الأمر بالعروف والنهي عن المنكر أهميةكبيرة في التطبيق والتنفيذ.
وتميزوا أيضاً بالإتباع للسلف، ومناهضة البدع، والوقوف في وجه كل دعوة أو سلوك من شأنه أن يفتح ثغرة في هذا الدين، للخدش فيه وتكدير صفوه. على أننا لا ننكر أن يكون في كثير من عامة المسلمين فضلاً عن علمائهم من عض على هذه الخصلة بالنواجذ، لكن الذي يعنينا هنا هو الإتجاه العام والخط الرئيس الذي كان يسير فيه هذا المذهب بكوكبة علمائه.