روى مسلم في "صحيحه" من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". وخرّج مسلم أيضاً من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون، ويفعلون مالا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل".
هذه الأحاديث، وغيرها كثير، تعلن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتقرر مسؤولية حراسة الرأي العام داخل المجتمع المسلم على العام والخاص.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة محكمة ماضية في الأمة إلى يوم القيامة، وهي من أهم ميزات هذه الأمة المحمدية التي قال الله -عَزَّ وَجَلَّ- في شأنها:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عمران: ١١٠].
ولايخفى ما تتطلبه هذه الفريضة من صبر وشجاعة واحتساب، وعلم بالمأمور به والمنهي عنه، بالإضافة إلى الآداب المطلوبة في القيام بالأمر والنهي.
هذه فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فما مدى تقيد الحنابلة بها؟
إن التاريخ الإسلامي ليصدع بما حفظ من وقائع للحنابلة في شأن هذه الفريضة، وتطبيقها، فقد كانت أصداء الحنابلة في بغداد على وجه الخصوص، وفي الشام، وغير ذلك، قوية لائحة في الآفاق، وإنك لتجد في طبقات ابن أبي يعلى هذه العبارة متكررة في تراجم كثير من أعلام الحنابلة:"الأمّار بالمعروف النّهّاء عن المنكر".