للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[- شمس الدين ابن مفلح (٧١٢ - ٧٦٣ هـ)]

تعتبر أسرة آل مفلح من الأسر العلمية الحنبلية الشهيرة التي وفدت إلى دمشق واستقرت بالصالحية، وحملت راية العلم هناك، فتقلد علماؤها مناصب القضاء، والفتوى، والتدريس، والإمامة، والخطابة، والوعظ، والحسبة، وغير ذلك من المناصب.

وأصل هذه الأسرة من رامين، قرية من القرى التابعة لنابلس الفلسطينية، ولا يعرف متى كان انتقال هذه الأسرة إلى دمشق، ولعل ذلك راجع إلى أنه ليس لها هجرة كبيرة جماعية، كهجرة المقادسة من آل قدامة المقدسيين.

ويعتبر شمس الدين محمد بن مفلح أكبر رجال هذه الأسرة والجد الأعلى لها في بلاد الشام (١). ولد برامين، وقدم إلى دمشق فأخذ العلم عن مشاهير علمائها آنذاك، وعلى رأسهم شيخ الإسلام المجاهد تقي الدين أبو العباس أحمد ابن تيمية الحرّاني -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-، وكان يقول له: ما أنت ابن مفلح، أنت مفلح (٢). وكان ابن القيم قرينه في الطلب، ولم يمنعه ذلك من الإستفادة منه والشهود له بالفضل والعلم، فقد كان يراجعه في مسائل ابن تيمية واخياراته، وقال لقاضي القضاة موفق الدين الحجّاوي سنة ٧٣١ هـ: ما تحت قبة الفلك أعلم بمذهب أحمد من ابن مفلح (٣).

وإذا كان ابن مفلح شيخ الحنابلة في وقته، فلا ريب أن يكون الشيوخ قد اعتمدوا عليه في النقل والتصحيح وسائر الأعمال التي عرفت في تلك الفترة. نجد ذلك واضحًا من خلال تأليفاته القيمة، وما قيل فيها، ولا سيما كتابه الشهير في الفقه، والذي يعرف به، وهو كتاب "الفروع"، فكثيرًا ما نقرأ أو نسمع: ابن مفلح صاحب "الفروع"، وما ذلك إلا لشهرة الكتاب وكثرة الإعتماد عليه والرجوع إليه.

قال علاء الدين المرداوي في مقدمة "تصحيح الفروع":

"أما بعد، فإن كتاب الفروع -تأليف الشيخ الإمام العالم العلّامة أبي عبد الله محمد ابن مفلح- أجزل الله له الثواب وضاعف له الأجر يوم الحساب -من أعظم ما صنف في


(١) التعريف بهذه الأسرة في مقدمة تحقيق كتاب "المقصد الأرشد" للدكتور عبد الرحمن العثيمين.
(٢) المقصد الأرشد ٢/ ٥١٩.
(٣) المصدر السابق ص ٥١٩.