لقد أتينا على سيرة الإمام المبجل بالقدر الذي يستدعيه البحث في السابق، ونتصور أننا قد وضعنا أمام القارئ مرآة جلية تنعكس عليها الصورة الكاملة لهذا الإمام العظيم، ويمكنه بسهولة أن يطالع تلك السيرة الحافلة بالأمجاد والمواقف التي صارت فيما بَعدُ معالم للعالم الرباني والإمامِ القدوةِ لغيره.
والآن نحاول أن نمهد للقارئ شيئاً جديدًا مما هو من نتائج تلك السيرة الجليلة، فيما يخص الأثر الذي تركته في نفوس أصحابه، ومقلدة مذهبه إلى عهود وقرون متطاولة.
لقد كان إمام السنة مدرسة لأصحابه يتعلمون فيها الزهد والورع، والإقتداء بالسلف، والإخلاص في العلم، وغير ذلك من الفضائل والمناقب التي دون حصرها خرط القتاد.
فلا تعجب إذا وجدت في تاريخنا الثقافي أو في مكتبتنا الإسلامية ذلك العدد الكبير من الأئمة والحفاظ والمؤرخين، يفردون سيرة هذا الإمام بالدراسة، ويدبجون الصحف في جمع مناقبه وتسجيل فضائله، ناهيك عفا كُتب عنه ضمن المجاميع والدواوين المخصصة لتواريخ البلدان وطبقات المحدثين والفقهاء أو غير ذلك.
فقد كانت أخلاق الإمام أحمد جذابة للطلاب ليلتفوا حوله، ويأخذوا من مشكاته المضيئة، فقد وصفا المرّوذي -وهو من ألصق أصحابه به- تلك الأخلاق الجذابة، فقال:
كان أبو عبد الله لا يجهل، كان جُهل عليه حَلُم واحتمل، ويقول: يكفي الله. ولم يكن بالحقود ولا العجول، كئير التواضع، حسن الخلق، دائم البشر، لين الجانب، ليس بفظ، وكان يحب في الله، ويبغض في الله، وإذا كان في أمر من الدين، اشتد له غضبه. وكان يحتمل الأذى من الجيران (١).