قال الله سبحانه في كتابه العزيز: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: ١ - ٣].
وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -، قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الناس أشد بلاء؟ فقال:"الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان رقيق الدين، ابتلي على حسب ذاك، وإن كان صُلب الدين ابتلي على حسب ذاك". قال:"فما تزال البلايا بالرجل حتى يمشي في الأرض وما عليه خطيئة"(١).
وإذا كان الرجل يبتلى على حسب دينه فما تظن بدين اللإمام أحمد؟ فعلى قدر دينه تعرف قدر البلاء الذي ابتلي به، ولم يكن ذلك في مجرد الامتحان بمقالة خلق القرآن، كلا بل إن سيرته - رضي الله عنه - كانت سلسلة من الإبتلاءات التي جرها إليه شدة ورعه، وتصلبه في الحق، وحرصه على منهاج السلف.
كانت محنة القول بخلق القرآن حلقات من تلك السلسلة، وصفحات من تلك السيرة الطويلة في الصبر والثبات، ضرب فيها أروع الأمثال في الإلتزام بالحق، والصبر عليه.
وسيكون الكلام على المحنة في أمور ثلاثة:
الأمر الأول: أسباب المحنة.
الأمر الثاني: مراحل المحنة.
الأمر الثالث: نتائج المحنة.
(١) أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (١٤٩٤) وفي مواضع أخرى برقم (١٤٨١) و (١٥٥٥) و (١٦٠٧)، وإسناده حسن.