للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المرحلة الأولى

المحنة في زمن المأمون

كان ذلك في آخر خلافة المأمون سنة (٢١٨ هـ) لما توجه إلى غزو الروم وفتح حصونها المتبقية على حدودها الجنوبية على ساحل طرسوس وما حولها.

وكانت قصة هذه المحنة قد بدأت بكتابة رسالة وجهها المأمون، وهو لا يزال بالرقة، إلى عامله على بغداد (١) -وفي بعض الروايات والكتب: صاحب الشرطة ببغداد (٢) - إسحاق بن إبراهيم الخزاعي (ت ٢٣٥ هـ). وكان مضمون هذه الرسالة مصدرًا بالكلام على مسؤولية الخلفاء تجاه حفظ الدين وحماية معالمه، وأن من أهم ذلك الذود عما يتعلق بالله وتوحيده وصفاته وكللامه من الأخطاء والجهالات التي أصبحت مذهب "الجمهور الأعظم والسواد الأكبر من حشو الرعية وسفْلة العامة ممن لا نظر له ولا روية، ولا استدلال له بدلالة الله وهدايته والإستضاءة بنور العلم وبرهانه ... " (٣).

ثم ثنى بذكر جملة من الإستدلالات من كتاب الله التي تفيد -بزعمه- أن القرآن مخلوق. ثم عرض بجماعة من العلماء الذين يخالفون هذه المقالة، فطعن بدينهم وأنهم "غروا الجهال حتى مال قوم من أهل السمت الكاذب والتخشع لغير الله والتقشف لغير الدين إلى موافقتهم عليه، ومواطأتهم على سيئ آرائهم ... " , وأنهم إنما فعلوا ذلك ليقربوهم ويقبلوا شهاداتهم في القضاء ... إلخ.

ثم ختم كتابه بأمر إسحاق أن يجمع القضاة ليقرأ عليهم الرسالة ويمتحنهم بها، ويكشف عن عقيدة كل واحد منهم في المسألة، وأن من ذهب إلى غير مذهب أمير المؤمنين فهو غير موثوق بدينه، وخلوص توحيده لله -عَزَّ وَجَلَّ-، وأنه سوف لا يبقيه في منصبه ما دام على هذه العقيدة الفاسدة -في زعم الخليفة وأشياعه- وكلفه أن يأمرهم بإعلان ذلك وتوقيعه والإشهاد عليه، وتسجيل من لم يستجب، وإثبات عدم إقراره بذلك.

فكانت هذه هي الرسالة الأولى، وكانت موجهة إلى القضاة خاصة، وكأن علماء


(١) تاريخ الطبري ٨/ ٦٣١.
(٢) المناقب ص ٣٨٧.
(٣) جزء من مقدمة الرسالة نقلناه من الطبري ٨/ ٦٣٢.