لا يخفى ما بين الإتباع للسلف والمناهضة للبدع من التلازم والتوافق، فإن الرجل لا يستطيع أن يكون مستمسكاً بمنهاج السلف - رضي الله عنهم -، دون أن يذب البدع عن دين الله -عَزَّ وَجَلَّ- بأقواله وأفعاله.
فالمنهج الصحيح القويم الذي يستقيم عليه دين العالم المسلم الصادق، إنما ينهض على ركنين:
ركن القيام بشأن السنة علماً وتعليماً ودعوة وعملاً.
وركن المناهضة للبدع في الإعتقاد والعمل وإنكارها، والتشديد على أهلها.
والبدع: هي ما أحدثه الناس واخترعوه في أمر الدين.
وهي نوع من المحرمات أخطر من المعاصي العادية، فإن فاعلها يتقرب بها إلى الله تعالى، ويعتقد ببدعته أنه يطيع الله ويتعبد له، وهذا هو خطرها.
والبدعة تكون:
إما باعتقاد خلاف الحق، الذي بعث الله به رسوله وأنزل به كتابه. وهذه هي البدعة الاعتقادية، أو القولية، ومنشؤها من القول على الله بلا علم. وهذا من أعظم المحرمات، بل هو -كما يقول ابن القيم- أعظمها. كما قال الله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[الأعراف: ٣٣].
وإما أن تكون بالتعبد الله تعَالى بما لم يشرعه من الأوضاع والرسوم المحدثة في الدين، كما قال تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}[الشورى: ٢١]. وفي الحديث:"إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة". أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث العرباض بن سارية.