ولد الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ- سنة ١٦٤ هـ بعد مرور اثنتين وثلاثين سنة على ميلاد الدولة العباسية، على أنقاض الأمويين وأفول نجم دولتهم، ومات سنة ٢٤١ هـ. بعدما أنافت هذه الدولة على ما يزيد على القرن بعشر سنوات.
فكان الإمام أحمد شاهدًا لقرنها معاصرًا لثمانية من أشهر خلفائها على الإطلاق، وهم: المهدي (١٦١ هـ ١٦٩ هـ)، والهادي (١٦٩ هـ - ١٧٠ هـ)، والرشيد (١٧٠ هـ - ١٩٣ هـ)، والأمين (١٩٣ هـ - ١٩٨ هـ)، والمأمون (١٩٨ هـ - ٢١٨ هـ)، والمعتصم (٢١٨ هـ - ٢٢٧ هـ)، والواثق (٢٢٧ هـ - ٢٣٢ هـ)، والمتوكل (٢٣٢ هـ - ٢٤٧ هـ).
ولم يكن الإمام أحمد بمنأى عن مهد الخلافة ومقر إدارة شؤونها، بل كُتب له أن يولد ويعيش في عاصمتها بغداد -دارالسلام- التي اختطها العباسيون لأنفسهم من أول يوم، ولم تكن قبلهم شيئًا مذكورًا، فبناها المنصور، واتخذها عاصمة لدولته وسريرًا لملكه، وصارت منذ ذلك العهد مثابة للعلماء والأدباء والشعراء، ومشاهير الأعلام من كل صنف.
وكان القرن الذي عاصره الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ- قرن فتوة الدولة العباسية وزهرة شبابها، فكان الخلفاء المذكورون أقوياء، على تفاوت بينهم، عملوا بما أمدهم الله من الجهد والعون والإخلاص لتوطيد دعائم الخلافة والتمكين لها، وفرض هيبتها على دولة الروم التي كانت لا تزال إذ ذاك الدولة التي ترفع عقيرتها طمعًا باسترجاع ما ضاع من تحت يدها من الأراضي الشامية والمصرية والمغربية، فكان الخلفاء يردون على كل محاولة بغزوة في الصيف أو في الشتاء، فيفتحون ويغنمون ويأسرون.