للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يكن الخلفاء العباسيون المذكورون بالصورة التي أضفاها عليهم دهاقنة المستشرقين، ومن سار على شاكلتهم من أصحاب الأدب الروائي في عصرنا الحديث، معنمدين على روايات القصاص وأصحاب النوادر والكتب الأدبية، التي لا يعنيها الإسناد والتوثيق بقدر ما يعنيها تزويق المسامرات وتلفيق المنادمات وتدبيج الحكايات الطريفة في مجالس فلان وفلان.

فقد جاء في ترجمة هارون الرشيد أنه غزا في حياة أبيه مرارًا .. وكان من أحسن الناس سيرة وأكثرهم غزوًا وحجًا بنفسه .. وكان يتصدق من صلب ماله في كل يوم بألف درهم، وإذا حج أحج معه مائة من الفقهاء وأبنائهم .. وكان يحب الفقهاء والشعراء والأدباء ويعطيهم كثيرًا ولا يضيع لديه بر ولا معروف .. وكان يصلي في كل يوم مائة ركعة تطوعًا إلى أن فارق الدنيا (١).

وجاء في ترجمة المأمون أنه كان من رجال بني العباس حزمًا وعزمًا ورأيًا وعقلًا وهيبة وحلمًا، ومحاسنه كثيرة في الجملة .. وكان كثير الغزو .. وفي سنة خمس عشرة -بعد المائتين- سار لغزو الروم، ومن غزوته عطف على دمشق، وفي سنة ست عشرة كرَّ غازيًا الروم، وجهز أخاه المعتصم ففتح حصونًا ... وأقبل تُوفيل طاغية الروم، ثم وقعت الهدنة بعد أن كتب "تُوفيل"، فبدأ بنفسه، وأغلظ في المكاتبة، فغضب المأمون (٢) وعزم على المسير إلى قسطنطينية، فهجم الشتاء.

وفي ترجمة المعتصم قال ابن كثير (٣): فتح ثماني فتوحات: بلاد بابَك على يد الأفْشين، وعمورية بنفسه، والزُّطُ بعُجيف، وبحر البصرة، وقلعة الأجراف، وأعراب ديار ربيعة، والشَّارَك، وفتح مصر بعد عصيانها.

وقال الخطيب البغدادي (٤): غزا المعتصم بلاد الروم في سنة ثلاث وعشرين ومائتين، فأنكى نكاية عظيمة في العدو، ونصب على عموربة المجانيق ....


(١) ترجمته مطولة في: تاريخ بغداد ١٤/ ٥، للخطيب البغدادي، وتاريخ الطبري ٨/ ٣٤٧، وسير أعلام النبلاء ٩/ ٢٨٦، للذهبي، والبداية والنهاية ١٤/ ٢٧، لابن كثير.
(٢) ترجمته مطولة في: تاريخ بغداد ١٠/ ٢٨٣، وتاريخ الطبري ٨/ ٦٢٣ - ٦٦٦، وسير أعلام النبلاء ١٠/ ٢٧٢، والبداية والنهاية ١٤/ ٢١٤.
(٣) البداية والنهاية ١٤/ ٢٨٣.
(٤) تاريخ بغداد ٣/ ٣٤٤.