للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا جرم أن دعوى الوضع قوبلت بالنقد والتحقيق من قبل جماعة من الحفاظ، منهم الحافظ ابن حجر العسقلاني، فقد أورد في كتابه "القول المسدد في الذب عن مسند أحمد" الأحاديث التسعة التي جمعها الحافظ الراقي في جزء وانتقدها، وأضاف إليها خمسة عشر حديثاً أوردها الإمام ابن الجوزي في "الموضوعات"، وأجاب عنها حديثاً حديثاً، وقد فاته أحاديث أُخَر ذكرها ابن الجوزي في كتابه المذكور، فنقلها السيوطي في جزء، وسماها "الذيل الممهد" وأجاب عنها وعدتها أربعة عشر حديثاً (١).

وأقل ما يقال بعد النظر في هذه الأحاديث وما أجاب به العلماء عنها: إنها بالغة الضعف، وكثير منها يُعلم بطلان متونها بالبداهة، فلا يمكن أن تشد أزرها تلك المتابعات والشواهد (٢). وهذا لا يضير "المسند" شيئاً؛ لأنها -كما قال الذهبي (٣) - قطرة في بحر.

• الأعمال التي تمت على المسند:

قديماً تمنى الحافظ الذهبي أمنية عزيزة، فقال: "فلعل الله تبارك وتعالى أن يقيض لهذا الديوان السامي -يعني المسند- من يخدمه، ويبوب عليه، ويتكلم على رجاله، ويرتب هيئته ووضعه، فإنه محتوٍ على أكثر الحديث النبوي، وقلَّ أن يثبت حديث إلا وهو فيه" (٤).

وأمنية الذهبي هذه تدل على أن هذا المسند العظيم كان إلى ذلك الوقت (٥) لا يزال بعيداً عن الإعتناء والخدمة التي تتناسب ومكانته، وهذا لا ينفي وجود بعض الأعمال التي تمت على "المسند" قبل الإمام الذهبي، إلا أنها لا تقرِّب البعيد ولا تذلِّل الصعب ولا تيسِّر الإستفادة من هذا الكتاب، ولا تقرُّ عيون الناظرين إليه.


(١) تدريب الراوي ١/ ١٧٢.
(٢) مقدمة تحقيق "المسند". مؤسسة الرسالة. ص ٧٧.
(٣) السير ١١/ ٣٢٩.
(٤) نقله عه ابن الجزري في "المصعد الأحمد" ص ٢٣. وفي "السير" ١٣/ ٥٢٥ كلام قريب منه.
(٥) توفي الذهبي -رَحِمَهُ اللهُ- سنة (٧٤٨ هـ).