الحياة الإجتماعية هي وليدة الحياة السياسية والحياة الثقافية، وقد سبق في تصوير الحياة السياسية بيان كيف اختلط العنصر العجمي بالعنصر العربي في المجتمع الإسلامي غب ميلاد الدولة العباسية.
فقد ازدحمت بغداد بالفرس والترك إلى جانب العرب، بل كان هناك العنصر الرومي والهندي والزنجي، ولا يخفى ما في تلك الغزوات المتتالية لبلاد الروم مما كان يأسر المسلمون فيها من الرجال وَيسْبُون من النساء، بالإضافة إلى أن الفضل ابن يحيى البرمكي قد جنَّد خمس مئة ألف من الفرس بخراسان، وأدخل منهم عشرين ألفًا إلى بغداد، وأما المعتصم فقد اتخذ هو الآخر عشرين ألفا من غلمان الترك وبوأهم "سامراء" مدينة يعيشون فيها ويقومون على الشؤون المدنية المختلفة لعاصمة الخلافة.
وتسارع الناس في اقتناء الإماء واستيلادهن والرفع من شأنهن، حتى صار المولدون منهن في سدة الخلافة، فكانت أم الرشيد أم ولد يمانية اسمها "الخَيْزُران" وكانت أم المأمون أم ولد أيضًا اسمها "مراجل" باذغيسية، وكذلك المعتصم، فقد كانت أمه أم ولد تركية اسمها "ماردة".
وقد أجمل الحافظ الخطيب البغدادي وصف مدينة السلام، وما كانت تنعم به من الهناء والحياة الكريمة لأهلها، فقال: قال أبو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي: ثم إن بغداد