ونعني بالمقادسة تلك الأسرة المباركة التي تسمى "آل قدامة" على وجه الخصوص، ثم الأسر التي تبعتها في الهجرة والتحقت بها، فكونوا المجتمع الجديد بصالحية دمشق.
وهي أسرة فلسطينية الأصل، دمشقية الدار، قد كان لها الأثر الواضح والنور اللائح في سماء تاريخ التراث الإسلامي بعامة، والفقه الحنبلي على وجه الخصوص، خلال العصر المملوكي، سواء بكثرة من ظهر فيها من العلماء، أو باستمرار نشاطها العلمي على مدى عدة قرون (ما بين أواسط القرن السادس والحادي عشر الهجريين).
والجد الأعلى لهذه الأسرة هو: قُدامة بن مقدام بن نصر بن عبد الله المقدسي. وكان من أهل قرية جَمَّاعيل (أو جمَّاعين) على القرب من نابلس في القرن الخامس الهجري.
وكان أول لقاء بين فقهاء الحنابلة وبين هذا الجد في أرض بيت المقدس، ذلك اللقاء الذي كان مع ناشر المذهب الحنبلي في الشام، أبي الفرج الشيرازي (٤٨٦ هـ) المتقدم.
ويروي لنا الموفق قصة ذلك اللقاء المبارك، فيقول:
"كلنا في بركات الشيخ أبي الفرج ... لما قدم الشيخ أبو الفرج إلى بلادنا من أرض بيت المقدس تسامع الناس به، فزاروه من أقطار تلك البلاد. فقال جدي قدامة لأخيه: تعال نمشي إلى زيارة هذا الشيخ، لعله يدعو لنا. فزاروه، فتقدم إليه قدامة، فقال له: يا سيدي، ادع لي أن يرزقني الله حفظ القرآن. فدعا له بذلك، وأخوه لم يسأله شيئًا، فبقي على حاله"(١).