للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذه الأسرة ترجع في نسبها إلى الصحابي الجليل سعد بن عبادة الأنصاري - رضي الله عنه - (١).

تفقه أبو الفرج على القاضي أبي يعلى ببغداد، ثم قدم الشام، فسكن ببيت المقداس، فنشر مذهب الإمام أحمد فيما حوله، ثم أقام بدمشق فنشر المذهب، وتخرج به الأصحاب.

وكما نشر فقه أحمد في ريوع الشام، فقد نشر أصوله الاعتقادية ومذهبه السَّني هناك، وكان ذلك قد سبب له عدة وقائع مع الأشاعرة، قال ابن أبي يعلى: "وكانت له كرامات ظاهرة ووقعات مع الأشاعرة، وظهر عليهم بالحجة في مجالس السلاطين ببلاد الشام" (٢).

وجاء ولده من بعده، وهو شرف الإسلام عبد الوهاب، الذي وقف المدرسة الحنبلية الشريفية في دمشق وراء الجامع الأموي (٣)، وقد توالى على المشيخة فيها كثير من ذريته، وعلى رأسهم حفيده عبد الرحمن الملقب ناصح الدين، والشهير بـ "ابن الحنبلي" المتوفى سنة ٦٣٤ هـ. وهو تلميذ أبي الفتح ابن المنِّي البغدادي في الفقه، والعكبري في اللغة وعلومها.

وشارك الناصح في فتح بيت المقدس مع صلاح الدين الأيوبي -رَحِمَهُ اللهُ-، وكان يستفتيه في كثيرٍ من المسائل (٤). وتولى التدريس بعدة مدارس بدمشق، منها: مدرسة جده المشار إليها آنفًا، وقد بَنَت له الصاحبة رييعة خاتون مدرسة خاصة به بجبل قاسيون (٥)، وانتهت إليه رئاسة المذهب بعد وفاة الموفق ابن قدامة المقدسي سنة ٦٢٠ هـ.


(١) ذيل الطبقات ١/ ٦٨. كانت قلة الحنابلة في بلاد الشام سببًا في نسبة الناس إياهم إلى هذا المذهب كما ينسب الإنسان إلى قبيلته أو بلده، فيقال لأحدهم: "فلان الحنبلي". فلما هاجر المقادسة إلى دمشق وبنوا مدينة الصالحية اختفت هذه النسبة لكثرة عددهم ومشاركهم في القضاء والفتوى ومشيخة المدارس والشهادة ونظارة الأوقاف.
(٢) الطبقات ٢/ ٢٤٨.
(٣) الدارس في تاريخ المدارس ٢/ ٦٤. وقد ذكر أسماء من درس فيها مع تراجمهم.
(٤) ذيل الطبقات ٢/ ١٩٤.
(٥) الدارس، ٢/ ٧١، ٧٩، ٨٢.