للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المدارس والمعاهد العلمية تخرج كبار الحفاظ والمقرئين والفقهاء والمؤرخين. كما أوقفت الكتب على بعض تلك المدارس والدور وأنشئت لها خزائن وعُيِّن لها نُظَّار، إلى جانب تأسيس دور مستقلة للكتب، واشتهر ذلك في العهد المملوكي خاصة، ولا يزال بعضها باقيًا إلى اليوم، كالظاهرية والعادلية. وكان أثر تلك المكتبات والخزائن واضحًا في المؤلفات التي أئرى بها الشاميون المكتبة الإسلامية، فإن مؤلفاتهم كانت تتميز بالكثرة والتنوع، وتكثير المصادر للكتاب الواحد.

وجاء المذهب الحنبلي إلى بلاد الشام في أواسط القرن الخامس الهجري، وتركز بعد ذلك شيئًا فشيئًا، حتى قوي وازدهر في دمشق وما حولها من القرى والضواحي التابعة لها، والمدن والأعمال التي كانت ترتبط بها آنذاك ارتباطًا عضويًا، وتتصل بها اتصالًا سياسيًا وعلميًا، كعسقلان ونابلس وبعلبك وبيت المقدس.

وصارت الشام منذ أواسط القرن السادس معقلًا وريثًا لبغداد في حمل راية المذهب الحنبلي، والعناية به، وإثرائه بالتدريس والتأليف والفتوى والشرح والتنقيح.

ولعل الضعف الذي لحق هذا المذهب في بغداد في نهاية القرن السادس، إنما مرده إلى النهضة القوية التي أخذت تشق طريقها في دمشق على أيدي المقادسة، فأخذت الأنظار تتوجه إليهم، وتضرب إليهم أكباد الإبل، والطلاب يتجمعون هناك ويؤسسون المدارس. وسنعود إلى ذلك بعد قليل إن شاء الله.

ويرجع الفضل الأول في نشر هذا المذهب في بلاد الشام إلى الفقيه الزاهد، شيخ الشام في وقته، أبي الفرج عبد الواحد الشيرازي، ثم المقدسي (٤٨٦ هـ)، فإنه كان هو وذريته خَدَمة المذهب الحنبلي في الشام. قال ابن رجب: "وللشيخ -رَحِمَهُ اللهُ- ذرية، فيهم كثير من العلماء، نذكرهم إن شاء الله تعالى في مواضعهم من هذا الكتاب، يعرفون ببيت ابن الحنبلي" (١).


(١) ذيل الطبقات ١/ ٧١.