كان الناس أمة واحدة، ودينهم قائمًا في خلافة أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -. فلما استشهد قُفْلُ باب الفتنة عمر - رضي الله عنه -، وانكسر الباب، قام رؤوس الشر على الشهيد عثمان - رضي الله عنه - حتى ذبح صبرًا. وتفرقت الكلمة، ووقعت وقعة الجمل، ثم وقعة صفّين، فظهرت الخوارج، وكفَّرت سادة الصحابة، ثم ظهرت الروافض والنواصب.
وفي آخر زمن الصحابة ظهرت القدرية، ثم ظهرت المعتزلة بالبصرة، والجهمية والمجسمة بخراسان في أثناء عصر التابعين مع ظهور السنة وأهلها إلى بعد المائتين. وكان المأمون الخليفة ذكيًا متكلمًا، له نظر في المعقول. فاستجلب كتب الأوائل، وعرب حكمة اليونان، وقام في ذلك وقعد، وخَبّ ووضع، ورفعت الجهمية والمعتزلة رؤوسها. وآل به الحال إلى أن حمل الأمة على القول بخلق القرآن، وامتحن العلماء، فلم يُمهَلْ، وهلك دعامه، وخلّى بعده شرًّا وبلاء في الدين، فإن الأمة مازالت على أن القرآن العظيم كلام الله تعالى ووحيه وتنزيله، لا يعرفون غير ذلك، حتى نبغ لهم القول بأن كلام الله مخلوق مجعول، وأنه إنما يضاف إلى الله تعالى إضافة تشريف؛ كبيت الله وناقة الله. فأنكر ذلك العلماء، ولم تكن الجهمية يظهرون في دولة المهدي والرشيد والأمين. فلما ولي المأمون كان منهم وأظهر المقالة (١).
وهاتان الفرقتان اللتان كانت لهما صولة ودولة في تلك الأيام قد عرفتا وترجم لهما أصحاب الملل والنحل. وإليك خلاصة التعريف بهما:
• الجهمية:
هي فرقة من الفرق الضالة المنحرفة، ضلت بمجموعة مقالات في الإعتقاد، خالفت فيها الحق وأهل السنة والجماعة، فعرفت بذلك، وصار هذا الإسم عنوانًا عليها، وهو