الموقف الذي نسجله للحنابلة -رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى- إزاء السلطة السياسية ينقسم بطبيعة الحال إلى موقف نظري مبني على فقه المسألة السياسية، وتقويمها من الوجهة الشرعية، وإلى موقف عملي يتمثل بممارسة الحنابلة الميدانية لما يفقهون في هذا الموضوع، وإعطائه الجانب العملي في خصوص الصلة بينهم وبين الخلفاء.
ثم إن كلا القسمين النظري والعملي يتوزعان في البحث على الإمام أحمد باعتباره إمام المذهب وراسم معالم طريقه، ثم على فقهاء المذهب على مختلف العصور. وسننتقي منهم جماعة كان لهم الأثر الواضح في بلورة الموقف العام من السلطة السياسية والتعامل معها.
• آراء الإمام أحمد في السياسة:
يذهب الإمام أحمد إلى ما اقتضته السنة المأثورة عنده في مناصحة الأئمة والإلتفاف حولهم، وعدم نزع يدٍ من طاعتهم، والصبر على ما كان منهم، وعدم جواز الخروج عليهم بالسيف ... إلى غير ذلك من الأحكلام التي آثر علماء السنة أن يلحقوها بمباحث التوحيد ومصنفات العقيدة.
ويحسن بنا أن نترجم رأي الإمام المبجل من لسانه وقلمه في هذا الموضوع، فقد وصل إلينا مبثوثاً في كثير من أجويته وكلامه المسموع، بالإضافة إلى كلامه المكتوب، ومن جملة ذلك المكتوب، ما أودعه في بعض الرسائل التي كتب بها إلى أصحابه، فقد جاء في رسالته إلى عبدوس بن مالك العطار حظٌّ وافر من الآراء السياسية، وإليك نصها:
" ... والسمع والطاعة للأئمة، وأمير المؤمنين: البر والفاجر، ممن ولي الخلافة، واجتمع الناس عليه، ورضوا به، ومن خرج عليهم بالسيف حتى صار خليفة، وسُمي