لكل مذهب من المذاهب الفقهية المدونة المتبعة عملية جمع، مر بها في مرحلة من تاريخه، مع الإختلاف الملحوظ بين مذهب وآخر.
فالمذهب الحنفي، جمعه محمد بن الحسن الشيباني في تلك الكتب التي سميت فيما بعدبـ "ظاهر الرواية"، ولخصها الحاكم الشهيد في كتابه "الكافي".
والمذهب المالكي كان في بدايته عبارة عن مجموعة من الأسمعة المدونة بأيدي أصحاب الإمام، كابن القاسم، وأشهب، وابن وهب، وابن نافع، وغيرهم، فجاء محمد العتبي الأندلسي فجمع هذه الأسمعة وألفها في كتاب "المستخرجة من الأسمعة" وهي المعروفة عند المالكية بـ "العتبية". كما اختصر أبو محمد عبد الله بن عبد الحكم ما انتهى إليه من تلك الأسمعة والكتب في "المختصر الكبير"، و"الأوسط"، و"الصغير"، وكان هو عمدة علماء المالكية البصريين. ثم جاء ابن أبي زيد القيرواني (٣٨٦ هـ) فاختصركتاب " المدونة" لسحنون، وألف كتاب "النوادر والزيادات على ما في المدونة من الأمهات"، فجمع في هذا الكتاب النصوص والمسائل المروية عن المذهب (١) في غير "المدونة" وذلك كـ"ـالعتبية"، و"الواضحة"، و"المبسوط"، و"الموازية"، و"المجموعة"، و"كتب ابن سحنون". وبالتالي يعتبر أبو عبد الله محمد بن أبي زيد القيرواني صاحب الفضل في جمع المذهب المالكي وتقريبه لمن أتى بعده، فسهل الإختصار، وسهل الترجيح، وسهلت المقارنة. وأما المذهب الشافعي، فإنه لم يبدأ متفرقًا حتى يحتاج إلى جمع وتحرير، لأن الإمام الشافعي كتب فقهه بيده، فاختصر المزني ذلك الفقه، وكذلك فعل البويطي، وعمل الفقهاء من بعدهم تعليقات وشروحًا على مختصر المزني خاصة، وهكذا انتقل المذهب الشافعي إلى الطبقات اللاحقة سهلًا وميسرًا من أول يوم.
(١) المقدمة، لإبن خلدون، ٢/ ٥٤٧. وقد طبع كتاب "النوادر" مؤخرًا في خمسة عشر مجلدًا. نشرته دار الغرب الإسلامي.