للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونستطيع أن نقول: إن المذهب الحنبلي يشبه في عملية تأسيسه وتدوينه، ثم جمعه وتحريره، مذهب الإمام مالك؛ إمام دار الهجرة.

ويعتبر أبو بكر الخلال -رَحِمَهُ اللهُ- جامع المذهب الحنبلي بحق، كما تقدم في ترجمته، فإنه جمع كتب"المسائل" وفحص رواياتها، ورتبها على أبواب العلم، وأخرجها في كتابه المَعْلَمي الكبير "جامع الروايات عن أحمد"، فلفت بهذا الأنظار، وصار مطلبًا لعلماء الأمصار، ومن هنا بدأ ظهور الإنتساب إلى الإمام، وبرز في مذهبه المشايخ الكبار، وأصبحت أصول المذهب، وخطوطه العريضة، ومصطلحاته الدقيقة، وآثاره النفيسة، محل درس وتدريس، واستقراء وتأليف، وتقريب وتلقين.

ونظرًا لوجود المذهب متفرقًا في مرويات الأصحاب المختلفة المتفاوتة في الكمية، فإن من العذر لإبن قتية (٢٧٦ هـ)، في عدم عد الإمام أحمد من الفقهاء في كتابه "المعارف"، أن نقول: إنه لو عاش حتى اطلع على جامع الخلال لكان الشأن غير الشأن، بل وكذلك يقال في الإعتذار عن ابن جرير الطبري (٣١٠ هـ).

فكان "الجامع" هو الأصل في الروايات المنقولة عن أحمد -رَحِمَهُ اللهُ- حيث تناوله المجتهدون من أصحابه بالترجيح والإختيار لما نقل من الروايات (١).

ويعتبر جامع الخلال كتابًا يحتوي على عناوين كبيرة تختلف عن العناوين التي نجدها في فهارس الكتب الفقهية المعتادة، فنجد من تلك العناوين مثلًا: كتاب الوقوف، وكتاب الترجل، وكتاب أهل الملل والردة والزنادقة وتارك الصلاة والفرائض، وكتاب أحكام النساء (٢) .. وهكذا. وهذا يدل على أنه لم يستوعب "المسائل" فقط، بل أفرغ مصنفات الإمام أحمد فيه. ومع هذا فقد قال ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ-: وفاته أمور كثيرة ليست في كتبه (٣).


(١) أصول مذهب الإمام أحمد، ص ٧٩٣.
(٢) المدخل المفصل ٢/ ٦٧١.
(٣) مجموع الفتاوى ٣٤/ ١١١.