ومحمد بن سيرين وأبي العالية وحميد بن عبد الرحمن، وهؤلاء تلمذوا لكثير من الصحابة، أشهرهم أنس وابن عباس.
ثالثًا - أهمية المذاهب الفقهية في خدمة الشريعة الإسلامية:
ارتبطت كلمة "المذهب" في أذهان البعض بتلك الآثار السلبية التي أورثتها بعض التعصبات المذهيية لففهاء المسلمين , وحفلت بها بعض التراجم والردود والمناظرات والتأليفات المختلفة، كما أرتبطت هذه الكلمة أحيانًا يالتقليد والجمود على اجتهادات الأولين، والإستغناء بذلك عن الحاجة إلى الإجتهاد والبحث والتحقيق العلمي.
وقد أخفى هذا الإرتباط ما كان للمذاهب الفقهية من فضل على المسلمين وخدمة لشريعتهم، ولسنا بسيل أن نعرف ذلك الخير وذلك الفضل إلا إذا تصورنا تاريخ الفقه الإسلامي قد انتهى بجميع أدواره وحلقاته إلينا خاليًا من تلك المذاهب المدونة المتبعة، سواء منها ما انقرض أو ما بقي واستمر، فلننظر كيف سيكون الحال ووضع الفقه الإسلامي إذن؟ لا ريب أنه سيكون عبارة عن شتات ومنثورات، كتلك المنثورات التي كانت يين يدي الفقهاء والطلاب في بداية عصر التدوين.
وإذا كان الأمر كذلك، فلابد من كشف النقاب عن مزايا المذاهب الفقهية المدونة المتبعة، وهذه المزايا بنظرنا تكمن على العموم في النقط التالية:
١ - استيعاب المذاهب غير المدوة، وكذلك المذاهب المنقرضة، في مصنفات المذاهب المتبعة، ويالتالي تسهيل الرجوع إليها. ففقه السلف قد وصل إلينا في طي تلك المصنفات.
٢ - تدوين الفقه الإسلامي وتسهيله للدارسين. وذلك بفضل جهود فقهاء المذاهب في التبويب والفهرسة ووضع المصطلحات، وشرح المجملات وتكميل النقص.
٣ - بيان طرائق الإجتهاد وقواعد الإستنباط من خلال ما كتب في أصول الفقه من وجهة نظر كل مذهب.
٤ - ملء الفراغ الفقهي بواسطة الإجتهاد التخريجي والإجتهاد المقيد.
٥ - تسهيل الإجتهاد لدى فقهاء ما بعد التدوين إلى عصرنا الحاضر؛ بإعطاء ثروة كبيرة من المقررات الفقهية والأدلة والقواعد والنصوص التي ترشد الباحث مهما كانت مسألة بحثه جديدة في الواقع.