السابقين في الرعيل الأول. ومن تنكب عنهما كان من الضالين الزائغين، وياء يوم الفيامة بالخسران المبين.
ولم يزل الصحابة والتابعون لهم بإحسان، ومن جاء بعدهم من أئمة الدين وفقهاء الإسلام، وهداة الأنام، ودعاة الخير من كل جيل، يبلغون هذا الدين الذي مما نزل به الكتاب وفصلته السنة، ويعلمون ما تَعلَّموا من علم جيلاً بعد جيل، حتى وصل إلينا سليمًا من التحريف، آمناً من التغيير والتبديل، صافيًا من الأكدار، فلله الحمد والمنة وحده.
ولا يزال هذا الدين محفوظًا بحفظ الله له ما تعاقب الملوان، ذلك أن الله -عَزَّ وَجَلَّ- قد استحفظ الأمم من قبلنا على دينه الذي شرع لهم، وكتبه التي أنزل على أنبيائهم ورسلهم، وأخذ على علمائهم من الأحبار والرهبان أن يبلغوه كما تبلغوه، وليبينُنَّه للناس ولا يكتمونه، ولا يشترون بآيات الله ثمنًا قليلاً، فخلفت من بعدهم خلوف نبذت هذا الميثاق، وأعملت أيدي التحريف، وتصرفت بالتبديل والكتمان والدس والتزيف، حتى عادت معالم الدين مطموسة، وحقائق العقيدة والشريعة مدرسة، فاستحقوا بذلك عقاب الله وسخطه، وحلت بهم نقمته إلى يوم الدين.
أما أمة الإسلام، فقد كُفيت ذلك كله فضلًا من الله ونعمة، وعجل الله لها البشرى من أول يوم أنه حافظ لكتابه، قال -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: ٩]. فالقرآن الكريم محفوظ من التحريف والتغيير والتضييع، وإذا الكتاب حفظت السنة أيضًا بلا ريب، لأنها شرحه، وبيان وتفصيل لمجمله، وحلّ لمقفله، وتأويل لمشكله.
ثم إن الله سبحانه وتعالى أظهر ذلك الحفظ في الأسباب التي جنَّدها -وإذا أراد الله شيئًا هيأ له أسبابه- وجعل تلك الأسباب المجنَّدة من جملة خصائص هذه الأمة الخاتمة، فمن ذلك: الإسناد والإجماع:
فالإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، وتميزت هذه الأمة بأنها أمة الإسناد، فلا يقول أحد قولاً في الدين إلاّ قُيض له من يقول له: من أين لك هذا؟.
كما أن إجماع علماء المسلمين في كل عصر من العصور حجة قاطعة، تلزم سائر المسلمين في العصور التي تلت وقت انعقاد الإجماع، فلا تتفق كلمتهم على ضلالة، ولا تجتمع آرهم على خلاف الحق، ولا تزال في المسلمين طائفة ظاهرةً على الحق لا يضرهم