الإنسياق في الرأي، والتفريع بموجبه بناء على قواعد. وإن كانت قعدت على أساس من النصوص، إلا أنه قد تفوت من قعّدوها نصوصٌ أخرى، لو اطلعوا عليها ما قالوا بمقتض القواعد.
والخلاصة: أن أحمد إمام في الحديث، وقد اتفق على هذا، ولكن إمامته فيه لا تنفي عنه صفة الفقه، بل فقهه فقه أثر وسنة. وهذه النزعة مما امتاز بها مذهبه، ووضحت في أصوله.
٢ - ذمه للرأي، ولتقليد الرجال، محمول على معارضة النصوص بذلك، كما يتضح عند الكلام على رأيه في القياس، ورأيه في الإجتهاد، وتقديمه النصوص على ذلك كله، وذلك لا يخصه وحده، بل أئمة المذاهب المعتبرة كلهم ينهون عن تقليدهم، ويوجبون عند ظهور الحجة من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يضرب بقولهم عرض الحائط.
٣ - نهيه أصحابَه عن أن يكتبوا عنه مسائله وفتاواه ثابتٌ عنه، ولكن الهدف منه أن لا يشغلهم ويصرفَهم عن كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته. لأنه رأى بعض الناس صرفتهم خلافات المذاهب، وتقليد الناس عن تعرف الحق من مصدره، وعن النظر في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وهو يرى أن مرتبة الرأي تأتي بعد ذلك كله، وعند الضرورة، ومع ذلك فقد ثبت عنه آخر حياته أنه أجاز لأصحابه أن يكتبوا عنه، بعد أن خبر أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووثق مما يقول، ويعد محاولات أيضًا من أصحابه.
من ذلك ما حدث من عبد الملك بن عبد الحميد الميموني، وهو من أجلِّ أصحاب الإمام أحمد، ومن أكثرهم ملازمة له، وسؤالاً، ونقلاً لمسائله، قال عن نفسه فيما ذكره أبو بكر الخلال:"صحبت أبا عبد الله على الملازمة من سنة خمس ومئتين إلى سنة سبع وعشرين"(١).
وقال أيضًا: "سألت أبا عبد الله عن مسائل فكتبتها، فقال: أيَّ شيء تكتب يا أبا