للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان إسحاق بن منصور وغيره يسألونه عن مسائل سفيان الثوري وغيره (١).

ولا ريب أن جل صفات الإمام أحمد قد انعكست على أصحابه وتلامذته والملازمين له منهم على وجه الخصوص، شأن كل إمام وأصحابه، فقد كانوا أئمة في الزهد والورع والمحافظة على مذهب السلف والإقتداء بهم، والحرص الشديد على السنة في الإعتقاد والعمل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ولقد كانوا يحفظون فضل إمامهم، وورعه، حتى إنهم تركوا بعض الأشياء المباحة أحيانًا، لما يعلمون من أنها لا تليق بمقام إمامهم. فقد أسند ابن الجوزي إلى الأثرم، أنه قال: "ريما يترك أصحاب أحمد ابن حنبل أشياء ليس لها تبعة عند الله، مخافة أن يُعبَّروا بأحمد بن حنبل" (٢).

وقال ابن عقيل (٥١٣ هـ) فيهم كلمة جامعة أحسن فيها وأجاد، قمينة بأن تسجل في خاتمة هذا المبحث:

قال ابن رجب في "ذيل طبقات الحنابلة":

قرأت بخط الحافظ أبي محمد البرزالي، قال: قرأت بخط الحافظ ضياء الدين المقدسي، قال: كتب بعضهم إلى أبي الوفاء ابن عقيل يقول: صف لي أصحاب الإمام أحمد على ما عرفت من الإنصاف. فكتب إليه يقول:

"هم قوم خُشُن، تقلصت أخلاقهم عن المخالطة، وغلظت طباعهم عن المداخلة، وغلب عليهم الجدّ، وقل عندهم الهزل، وعقلت نفوسهم عن ذل المراءاة، وفزعوا عن الآراء إلى الروايات، وتمسكوا بالظاهر تحرجًا عن التأويل، وغلبت عليهم الأعمال الصالحة، فلم يدققوا في العلوم الغامضة، بل دققوا في الورع، وأخذوا ما ظهر من العلوم، وما وراء ذلك قالوا: الله أعلم بما فيها، من خشية باريها، ولم أحفظ على أحد منهم تشبيها، إنما غلبت عليهم الشناعة؛ لإيمانهم بظواهر الآي والأخبار، من غير تأويل ولا إنكار. والله يعلم أنني لا أعتقد في الإسلام طائفة مُحِقة، خالية من البدع، سوى من سلك هذا الطريق، والسلام" (٣).


(١) مجموع الفتاوى، لإبن تيمية ٣٤/ ١١٤.
(٢) المناقب، ص ٦٠٧.
(٣) ذيل طبقات الحنابلة ١/ ١٥٢، والمنهج الأحمد ٣/ ٨٦.