للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تضاء القضاة منهم بالقاهرة، فصار شيخ المذهب هناك علمًا وصلاحًا، وديانة ورياسة (١).

ويذكر لنا السيوطي قائمة بأسماء ستة عشر فقيهًا حنبليًا تولوا القضاء المصري (٢)، وواحدًا وعشرين إمامًا (٣)، وهذا اللإحصاء ينتهي عند أوائل القرن العاشر، لأن السيوطي توفي سنة (٩١١ هـ)، وهذا يدل على أن العدد أكثر من ذلك، لأن الوجود الحنبلي بعد السيوطي قد استمر هناك، بل وقوي نسبيًا، على أن السيوطي -رَحِمَهُ اللهُ- لم يذكر لنا أسماء أولئك الموفدين إلى مصر، والذين لم يستوطنوها، كالطوفي والعلاء المرداوي، وغيرهم.

وكان الحنابلة شَديدي التمسك بالفضائل الخلقية والورع والزهد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحرص على الإلتزام بالسنة الشريفة في الإعتقاد والعمل. وكان هذا التمسك يسبب لهم حرمانًا من بعض الوظائف في الدولة حينًا، كما سبب لهم محنًا وكائنات مع المخالفين والخصوم حينًا آخر.

وقد سجل لنا التاريخ من ذلك الكثير في بغداد، وفي الشام، لكن لم يسجل لنا من ذلك شيئًا في مصر (٤).

ولعل السبب في ذلك راجع إلى قلة عددهم وضعف شوكتهم، بالإضافة إلى أن المتأخرين منهم مالوا في أكثرهم إلى التصوف والزهد والخمول.

ومع ذلك بقي غالب الحنابلة محافظين على مزاياهم في الورع والإستقامة على منهج السلف.

ويذكر لنا السيوطي نموذجًا من ذلك متمثلًا بشيخه أحمد بن إبراهيم الكناني (٨٧٦ هـ)، فقد قال فيه:

"شيخنا قاضي القضاة، عز الدين أبو البركات ابن قاضي القضاة برهان الدين ابن قاضي القضاة ناصر الدين الحنبلي، قاضٍ مشى على طريقة السلف، وسعى إلى أن بلغ


(١) ذيل الطبقات ٢/ ٢٩٤ - ٢٩٥، وحسن المحاضرة ٢/ ١٩١. وكانت المدرسة الصالحية في القاهرة ذات أربعة أقسام، كل قسم يختص بتدريس مذهب من المذاهب الفقهية الأربعة. وهذا يدل على أن الحنابلة كان لهم طلاب وشيوخ هناك في ذلك الوقت.
(٢) حسن المحاضرة ٢/ ١٩١ - ١٩٢.
(٣) المصدر السابق ١/ ٤٨٠ - ٤٨٤.
(٤) إلا بعض المشاجرات النادرة بينهم وبين الأشاعرة, كما في "ذيل الطبقات" ١/ ٤٣٩، والنعت الأكمل ص ١٠.