وكان الشيخ يسلك طريق المباحثة مع شيوخه، فهو الطالب البصير والباحث المحقق، حتى إنه لم يلبث أن أخذ ينكر البدع والأعمال الشركية على العلماء والعامة على السواء، وهو لا يزال في البصرة، وفي هذه الفترة قيل: إنه صنف كتابه "التوحيد" هناك (١).
ولا ريب أن هذه الوثبة الجريئة من الشيخ قد سببت له الأذى من أهل البصرة، حتى اضطر إلى الخروج منها والإتجاه إلى الزيير، فالأحساء، فحُرِيملاء، حيث انتقل والده إليها قبل ذلك.
عاد الشيخ من هذه الرحلة العلمية بما معه من الزاد العلمي القوي والعزيمة الماضية على الإصلاح والتغيير، إذ لا يزال يرى تلك المنكرات التي دبت في صفوف المسلمين من أهل نجد وما حولها، حتى بلغت بهم -أحياناً- حدّ الشرك الاكبر والعودة إلى الأوثان الجاهلية الأولى. وعكف الشيخ في ذات الوقت على المطالعة لكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، فوجد ضالته المنشودة ويغيته المفقودة في هذين العالمين الجليلين، من خلال ما أورثاه من الكتب والمصنفات. فالتقى ذهنه الحاد الثاقب، وفكره النير، وفهمه الصحيح الرشيد، مع تلك الكتب الداعية في عمومها إلى الكتاب والسنة، واتباع منهج السلف، ونبذ البدع والمحدثات. وكانت نتيجة ذلك وثمرته الطيبة: أن نادى بالدعوة إلى تحديد ما قد بلي من ثوب الإسلام في بلدة حريملاء، وندد بتلك العادات والعبادات التي ليست على بصيرة، ودعا الناس إلى تصحيح العقيدة، وخلوص العبادة لله وحده، والرجوع إلى نقاوة الدين وصفاء التوحيد، فصادف معارضة قوية، ومشادة متينة، وأذية كبيرة.
ولما توفي والده سنة ١١٥٣ هـ جلس للتدريس والإفادة، وتقرير العقيدة الصحيحة، فاخذ الأنصار لهذه الدعوة يتكاثرون في حريملاء، ووفد إليه الناس من بلدان جاورة، يتعلمون منه، ويأخذون عنه.
ثم ضاقت عليه حُريملاء ببعفس السفهاء، فخرج إلى العُيينة، حيث مسقط رأسه، وأكبر بلدان نجد آنذاك. فآواه أميرها عثمان ابن معمَّر ونصره، ولكن سرعان ما طلب منه المغادرة تحت ضغط حاكم الأحساء خالد ابن عريعر، وتهديده، فتوجه الشيخ إلى