"ولما كانت نجد -وهي قلب جزيرة العرب- أقل أقاليم الخلافة العثمانية رعاية؛ إذ أن العثمانيين لم يعيروا هذه المنطقة أي اهتمام، ولم تحظ منهم بأي رعاية، بل اكتفوا ببسط نفوذهم على الحرمين الشريفين، والساحل الغربي من شبه الجزيرة العربية، وساحل الخليج العربي، وتركوا وسط الجزيرة العربية، فلم يكن لهم فيها وجود مما جعله في عزلة شديدة عن العالم الإسلامي.
لما كانت نجد كذلك اضطرب فيها حبل الأمن، وقطعت فيها السبل، وسادت فيها الفوضى والسلب والنهب، والأخذ بالثأر، وماجت فيها الفتن، وعم الجهل، ودرست معالم الحضارة الإسلامية في مختلف جوانب الحياة" (١).
وتعتبر الدولة السعودية الثانية وثبة أخرى في قلب الجزيرة في الاتجاه نحو توحيدها سياسياً، تحت سلطان واحد، وراية واحدة، يسودها نظام قائم على أساس الكتاب والسنة.
وقد واجه الإمام تركي بن عبد الله في بداية تأسيس هذه الدولة صعوبات كبيرة من الخارج ومن الداخل.
وعلى الرغم من الصعوبات الداخلية والخارجية، فقد تكلل جهد الإمام تركي بالنصر سنة (١٢٤٠ هـ). ومنذ ذلك التاريخ حتى العقد الأول من القرن الرابع عشر الهجري، وهذه الدولة تسير سيراً متموجاً بسبب الكيد الخارجي بالإضافة إلى الفتن الداخلية.
ويعتبر عهد الإمام فيصل بن تركي الذي تولى الأمور من بعد أبيه على فترتين: دامت الأولى ما بين ١٢٤٩ و ١٢٥٤ هـ، والثانية ما بين ١٢٥٦ و ١٢٨٢ هـ، عهداً زاهراً بالطموحات لدولة سعودية ناهضة، مستقلة الكيان، مرهوبة الجانب، فقد أمضى حياته في الفترتين معاً في جهاد طويل متواصل سعياً في توحيد نجد وما حولها من المناطق، بالإضافة إلى إخرانج بقايا الحامية المصرية من أرض الجزيرة بصفة نهائية.
ولقد ظلت الدعوة الإصلاحية، التي قامت على أساسها الدولة السعودية الأولى، هي الركيزة التي اعتمد عليها الحكم في الدولة السعودية الثانية؛ بشكل عام، وفي عهدي الإمامين تركي بن عبد الله وابنه فيصل بشكل خاص، فقد توخى هذان الإمامان سيرة أسلافهما من آل سعود في استشارة ذوي الدين والرأي والخبرة والمعرفة فيما يتعلق بأمور الدولة العامة.