للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأنه يعتقد أن الخروج عن تلك الجادة زيغ عن منهاج السلف، وإلحاد في دين الله سبحانه وتعالى، لا يتكلف التعمق في مسائل عقلية قد تكون متاهات للعقل البشري، وإن خرج من وعثائها سالمًا، فقد جهد نفسه في غير طائل، وشغل فكره في غير جدوى.

قال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: من أحب الكلام لم يفلح، لأنه يؤول أمرهم إلى حيرة، عليكم بالسنة والحديث، وإياكم والخوض في الجدال والمراء، أدركنا الناس، وما يعرفون هذا الكلام، عاقبة الكلام لا تكون إلى خير (١).

والخلاصة: أن الإمام أحمد تميز عن غيره: بأن كانت له شخصية جد مؤثرة، قد لاح أثرها في مرآة طبقات علماء المذهب بجلاء لمن تصفحها تصفح المتأمل البصير.

وفي هذا السياق يقول الأستاذ سعدي أبو جيب:

لقد وقفت على سيرة علماء الحنابلة من أصحاب الإمام أحمد، ومن جاء بعدهم، حتى منتصف القرن الثامن الهجري، فوجدت أحمد في كل واحد منهم فكراً، ومنهجاً، ونظرة للحياة ... بل إني وجدت جانباً أو أكثر، من جوانب شخصية الإمام أحمد، حيا يتجول بين الأسطر ..

تلك ظاهرة لم أجدها عند علماء مذهب من المذاهب ... أسجلها للتاريخ ... ليس إلا ..

وعن عمد لم أجعل ميدان دراستي أصحاب الإمام أحمد، وتلاميذهم، من الذين ترجم لهم القاضي أبو يعلى (٢)، حتى لا تذهب بك الظنون إلى أن هؤلاء لقربهم من الإمام ربما كانوا أشد تأثراً به من سواهم .. وأنت محق في ذلك بلا شك، لأن طبيعة الأمور، وواقع الحياة يؤكد ما ذكرت ..

ولهذا اخترت العلماء الذين ترجم لهم ابن رجب، وهم الذين أدركهم الأجل خلال انفترة الممتدة من ٤٦٠ هـ إلى ٧٥١ هـ (٣).

ثم مضى في تسجيل النتائج التي ألّفت ما بين الإمام وأتباعه بتأليف محكم على الرغم من بعد الزمن وتطاول القرون.

* * *


(١) السير ١١/ ٢٩١.
(٢) لا يخفى أن صاحب "الطبقات" هو القاضي أبو الحسين (٥٢٦ هـ) ابن القاضي أبي يعلى (٤٥٨ هـ).
(٣) أحمد بن حنبل السيرة والمذهب، ص ٤٦١، دار ابن كثير، ١٩٩٨.