للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي الجملة يعد هذا الرجل -كما قال أبو يعلى الخليلي- مستوعباً لعلم أبيه وأبي زرعة، وكان بحراً في العلوم ومعرفة الرجال. صنف في الفقه، وفي اختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار (١).

فمن أين جاءت هذه العناية الشديدة؟ إنها القدوة التي كان يترسمها من شيخ شيخه؛ الإمام أحمد، يدل على ذلك شيئان اثنان:

الأول: متابعته للإمام أحمد في أسماءْ المصنفات التي صنفها ومحتوياتها، "كالزهد"، و"الرد على الجهمية"، و"المسند"، و"العلل"، و"الكنى"، فهذه كلها عناوين لمؤلفات هذا وهذا.

الثاني: ذلك الثناء العطر الذي جمعه في "تقدمة الجرح والتعديل" عن الإمام أحمد وفضائله وعلمه وإمامته في الدين، مما يدل على إعجاب ابن أبي حاتم وتأثره البالغ بإمام السنة علماً وعملاً.

وإذا كان ابن أبي حاتم نموذجاً من المتقدمين، فأمامنا نموذج من المتأخرين متمثل ببيت كامل تسلسل فيه الإختصاص بالحديث وعلومه أباً عن جد، إنه بيت ابن منده العبدي الأصبهاني.

ففي ترجمة الحافظ يحيى ابن مندة (٥١١ هـ)، قال ابن رجب (٢): الحافظ "المحدث ابن المحدث، ابن المحدث ابن المحدث ابن المحدث ابن المحدث"!! فلاحظ كيف تشرف هذا البيت على الأقل بتوارث الحديث على مدى ستة أعقاب، فهو كما قال أبو بكر اللَّفْتَواني: بيت ابن مندة بُدئ بيحيى، وخُتم بيحيى. قال ابن السمعاني: يريد في معرفة الحديث والفضل والعلم (٣).

ويعتبر الحافظ عبد الوهاب الأنماطي (٥٣٨ هـ) محدث بغداد، بل حافظ عصره فيها، كما قال أبو موسى المديني في "معجمه". وكان مختصاً بجمع الأجزاء الحديثية التي كانت قد بلغت ذروتها في ذلك الزمان، وكان جمَّاعتها من قبله أبو الحسن ابن الطُيُوري، فقرأ الأنماطي ما عنده من تلك الأجزاء، حتى قال ابن السمعاني فيه: جمع الفوائد وخرج التخاريج، لعله ما بقي جزء مروي إلا وقد قرأه وحصل نسخته (٤)!!


(١) السير ١٣/ ٢٦٤ - ٢٦٥.
(٢) ذيل طبقات الحنابلة ١/ ١٢٧.
(٣) المصدر السابق ١/ ١٢٨.
(٤) المصدر السابق ١/ ٢٠٢.