الحمد لله حمدًا وشكرًا على ما هدى وألهم، وأنعم وعلم، ووهب وفهم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ولا نعلم إلا ما علَّمناه، فسبحانه المبتدئ بالنعم، تفضلًا منه على العباد، الهادي من يشاء منهم ممن اختصه برحمته إلى سبيل الرشاد، بعث الرسل، وبيَّنَ السبل، وختم أنبياءه صلوات الله عليهم وسلامه بأكرمهم عليه وأحبهم إليه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وأنزل عليه القرآن بالحجة والبرهان؛ ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيي عن بينه.
وبعدُ: فإن أولى الأمور بمن نصح نفسه وأُلهم رشده، أن يصرف خالص أوقاته، ويستعمل حرّ جهوده وطاقاته لخدمة الشريعة وعلومها، فإن الله عز وجل أنزل کتابه العزيز على نبيه الکريم، ليبين للناس ما نزل إليهم من ربهم، وإن ما انبثق من القرآن وما يتعلق به ويرجع إليه من علوم ومعارف، سواء منها المقاصد والوسائل، ما ذلك كله إلا جهود متنوعة متناسقة تندرج في معنى قوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[النحل: ٤٤].
فكان تبيين معاني الكتاب العزيز متمثلًا بالسنن النبوية القولية والفعلية وما في معناهما، وما استنبط منهما مما أُثر عن فقهاء الصحابة وعلمائهم من اجتهادات مختلفة، وهكذا حتى انتهى الأمر إلى أئمة الفقه الإسلامي الذين عنوا بوضع ضوابط للاجتهاد وقواعد للاستنباط، ثم اجتهدوا على ضوء تلك الضوابط والقواعد، فأخرجوا للناس فقهًا خالصًا سائغًا للطالبين، قائمًا على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وكان من أبرز هؤلاء الأئمة الأعلام الإمام المبجل أبو عبد الله أحمد ابن حنبل الشيباني المروزي البغدادي رحمه الله تعالى.
ولما كان القسم الأول من الدراسة التي سبق جمعها حول مذهب هذا الإمام،