للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويظهر أثر هذه الرحلات واضحًا في ترتيب كتابه "المسند" وكيفية تفننه في توزيع الصحابة على الأمصار والبلدان.

وقد استوعب الذهبي عددًا كبيرًا من شيوخه على عادته، ثم قال: فعدة شيوخه الذين روى عنهم في "المسند" مائتان وثمانون ونيف (١).

وقد رحل الإمام أحمد غِبَّ وفاة شيخه هُشيم سنة ١٨٣ هـ، وكان قد وفد عليهم عبد الرحمن بن مهدي قبل ذلك، فكتب عنه واستفاد منه. فخرج من بغداد في صحبة أعرابي إلى الكوفة، وكان بها من أساطين المحدثين أبو معاوية محمد بن خازم الضرير، من أبرز من خلف الأعمش -رَحِمَهُ اللهُ-، ووكيع بن الجراح الرؤاسي جامع علم سفيان الثوري وراويته.

وكان فيها من فقهاء الرأي جماعة كبيرة، فاطلع على ما عند الجميع وأفاد منهم، فحفظ حديث الثوري بواسطة وكيع، حتى شهد له عبد الرحمن بن مهدي بأنه أعلم الناس بذلك (٢).

وقال عن نفسه -رَحِمَهُ اللهُ-: كنت أذاكر وكيعًا بحديث الثوري، وذكر مرة شيئًا، فقال: هذا عند هشيم؟ فقلت: لا. وكان ربما ذكر العشر أحاديث فأحفظها، فإذا قام قالوا لي، فأمليها عليهم (٣).

وكان أحمد في رحلته هذه في حال شظف من العيش حتى كان يتوسد اللَّبِن من قلة ذات اليد، فحُمَّ من جراء ذلك فرجع إلى أمه في بغداد (٤).

ومن الكوفة إلى البصرة دار آبائه وأجداده من بني شيبان، وقد دخل البصرة في المرة الأولى سنة ١٨٦ هـ، وتردد عليها خمس مرات آخرها سنة ٢٠٠ هـ، ولم يحظ بملاقاة محدثها حماد بن زيد (المتوفى سنة ١٧٩ هـ). لكن أخلفه الله بها إسماعيل ابن عُلَيَّة، وابن مهدي، ويحيى القطان، والمعتمر بن سليمان وغُنْدَر. قال -رَحِمَهُ اللهُ-: فاتني مالك فأخلف الله علي سفيان بن عيينة، وفاتني حماد بن زيد فأخلف الله علي إسماعيل ابن علية (٥).


(١) السير ١١/ ١٨١.
(٢) تقدمة الجرح والعديل ص ٢٩٢.
(٣) السير ١١/ ١٨٦.
(٤) المناقب، ص ٤٩. ووقع في "سير أعلام النبلاء" (١١/ ١٨٥): " ... فحجَجتُ فرجعت إلى أمي ولم أكن استأذنتها". والصواب: فحممتُ. والله أعلم.
(٥) المناقب، ص ٥٤.