للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان الإمام أحمد حريصًا على عبد الرزاق؛ لأنه كان عنده حديث الزهري عن سالم عن أبيه، وحديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة. وكان الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه يذهبان إلى أن "الزهري عن سالم عن أبيه" أصح الأسانيد مطلقًا. فاستطاب الرحلة لذلك واهتز طربًا إلى نيل الأمنية:

وإذا كانت النفوس كبارًا ... تعبت في مرادها الأجسام

وجاء عنه أنه قال: ما أهون المشقة فيما استفدنا من عبد الرزاق، كتبنا عنه حديث الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه، وحديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة (١).

ورحل أحمد إلى الشام والجزيرة وأخذ عمن هناك من المحدثين والعلماء.

وبهذه الرحلات خاض لجة العلم، والتقط جواهر الحديث ولآلئه من قاموس بحره المحيط، وكان يدون كل ذلك ويحفظه في كتبه، ويحدث به بعد ذلك، وما حدث قط إلا من كتاب (٢) إلا في حالات نادرة شاذة، وكانت هذه سنته وسنة رفيقيه يحيى بن معين وعلي بن المديني في ذلك، على الرغم من حافظته النادرة المجيبة.

مجمل شيوخ الإمام أحمد:

الشيخ في اصطلاح المحدثين خاصة هو: كل من رويتَ عنه ولو حديثًا واحدًا، فالمشيخة تثبت بالحديث الواحد، لذلك لا نعجب من كثرة شيوخ الأئمة والحفاظ، فإن بعضهم، كالبيهقي ينيف معجم شيوخه على الألف. لكن من الشيوخ من يعد ذا فضل كبير وتأثير خاص على تلميذه، لطول الصحبة والملازمة والإستكثار من الرواية.

وكذلك كان الشأن مع الإمام أحمد، فإن له عددًا من الشيوخ أحصي منهم في "المسند" أكثر من (٢٨٠) شيخًا (٣)، وقد جرد ابن الجوزي في "المناقب" أسماء شيوخه تفصيلًا، وسردهم المزي في "تهذيب الكمال" مرتبين على حروف المعجم.


(١) المناقب، ص ٥٧.
(٢) المناقب ص ١٤٨، السير ١١/ ٢٠٠.
(٣) أفردهم الشيخ عامر صبري العراقي في كتاب اسمه "معجم شيوخ الإمام أحمد في المسند".