بل أفرغ مصنفات الإمام أحمد في كتاب "الجامع". ومع هذا فقد قال ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ-: وفاته أمور كثيرة ليست في كتبه (١).
ويقسم الخلّال الكتاب الواحد إلى عدة أبواب، ثم يجمع تحت الباب المترجم كل ما رُوي عن الإمام أحمد مما يراه صالحًا أن يترتب في ذلك الباب، ولا يفصل الأبواب إلى فصول، ولا يرتب المرويات داخل الباب الواحد، بل يسردها تباعًا على طريقة كتب الحديث الجامعة، المصنفة على الموضوعات الفقهية وغيرها.
ويروي الخلّال في كتابه هذا مسائل الفقه بالسند المتصل إلى الإمام أحمد، ومن خلال تلك الأسانيد يمكن أن تكشف عن مدى ما لكلّ تلميذ من تلاميذه وأصحابه من المسائل والروايات.
ثم إن الخلّال بنقله مسائل الإمام أحمد، يجردها من جميع الأقوال الأخرى ما عدا قول أحمد، فلا يُدخل معه شيئًا لا يجزم أنه من كلامه. ومن هنا يتضح لنا مدى عناية الخلّال بأقوال الإمام وفتاويه، فهو حين يفعل ذلك إنما يفعله احترامًا وتقديرًا لتلك النقول، وهو في نفس الوقت يرغب بإيصالها إلى المستفيد منها سليمة من أي دخيل عليها من أقوال أخرى، وهذا يدل على رغبته الصادقة المجردة لخدمة تلك الأقوال.
هذا إلى جانب القسم الحديثي الذي وشّى به الكتاب، وعزّز به المسائل بإيراد ما وقع له من أدلتها، فهو بهذا القسم يكوِّن مصدرًا من أهم مصادر أحاديث الأحكام وآثاره. وكثيرًا ما يقتصر الحنابلة في كتبهم على رواية الخلال في كتابه هذا لدى عزو الحديث، فيقولون: رواه الخلّال، ويقصدون بذلك روايته في "الجامع".
وقد تكلم على هذا الكتاب جمع من العلماء، وصفًا وتقريظًا وتنويهًا بشأنه، منهم ابن الجوزي في "المناقب" (ص ٦٨١ - ٦٨٢" وابن تيمية في "الفتاوى" (٣٤/ ١١١) وابن القيم في "الإعلام" (١/ ٢٩ - ٣٢ - ط. دار الحديث) والذهبي في "السير" (١١/ ٣٣١) و (١٤/ ٢٩٧) وابن كثير في