للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"أشهد أن لا إله إلا الله أحدًا فردًا [ليس كمثله شيء] (١)، لم يكن قبله شيء ولا بعده شيء، ولا يُشبهه شيء من خلقه في معنى من المعاني، ولا وجه من الوجوه".

قال أحمدَ: أشهد ... إلى: ليس كمثله شيء" ثم زاد من عنده: وهو السميع

البصير، وأمسك عن الباقي فلم يتكلم به.

وكانت التتيجة أن العلماء الذين امتحنوا في هذه المرة خالفوا في أكثرهم رأي المأمون، فكان أن رد عليهم برسالة ثالثة مليئة بالإنتقاص منهم وذكر مثالبهم، وكان حظ الإمام أحمد منها أن قال فيه: وأما أحمد بن حنبل وما تكتب عنه، فأعلمه أن أمير المؤمنين قد عرف فحوى تلك القالة، وسبيله فيها، واستدل على جهله وآفته بها (٢).

وأمر إسحاقَ بكل من لم يجب بصراحة إلى القول بخلق القرآن أن يبعثه إلى معسكر المأمون ليحمله على ذلك بحد السيف. ويعد أن عرض عليهم ذلك من جديد أجابوا كلهم إلا أربعة: أحمد بن حنبل، وسَجّادة، والقواريري، ومحمد بن نوح، المضروب، ثم عرض عليهم بعد ذلك، فأجابوا إلا أحمد، ومحمد بن نوح. ولا شك أن من أجاب كان مكرها يتقي من الفاتنين تقاة.

فأرسل أحمدَ وصاحبَه الى المأمون في عِدْلَي بعير موثقين بالحديد، ووجَّههما إلى المأمون وهو في عسكره بطرسوس، وأرسل مع ناقلهما رسالة تشرح موقفهما. وأرسل رسالة مستقلة يشرح فيها نتيجة امتحان الآخرين، وأنهم أجابوا مكرهين، وتأولوا قول الله -عَزَّ وَجَلَّ- {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: ١٠٦). فلم يرض المأمون بذلك منهم، وبعث إليه أن يرسلهم أيضًا، ففعل.

فلما وصلوا جميعًا إلى الرقة بلغهم وفاة المأمون، وقد كان الإمام أحمد يدعو في طريقه أن لا يجمعه الله به، فأجاب الله دعوته وأنجز لو ليه ما كان يرجو (٣).

هذه خلاصة تلك المحنة في مرحلتها الأولى التي طويت بوفاة المأمون، ويدأت مرحلة جديدة في خلافة أخيه المعتصم.


(١) لم ترد هذه الزيادة عند الطبري في ص ٦٣٨ وأوردها في الصفحة الموالية بصيغة تفيد أنها سقطت.
(٢) تاريخ الطبري ٨/ ٦٤٠ - ٦٤٣.
(٣) البداية والنهاية ١٤/ ٢١٣، وأخبار مسيرة أحمد إلى المأمون بتفصيل أوسع في "المناقب" ص ٣٨٨ - ٣٩٣، والسير ١١/ ٢٣٩ - ٢٤٢.