للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: غير مخلوق؟ فقلت: قال الله - عَزَّ وَجَلَّ-: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: ٥٤]، ففرق بين الخلق والأمر، فقال إسحاق: الأمر مخلوق، فقلت: يا سبحان الله، أمخلوق يخلق مخلوقًا!! فقال: وعمن تحكي أنه ليس بمخلوق؟ فقلت: جعفر بن محمد قال: ليس بخالق ولا مخلوق، قال: فسكت" (١).

ولا ريب أن الإمام أحمد إنما امتحن من أجل ذلك، لكن ورد في استجواب إسحاق ابن إبراهيم النائب على بغداد تنفيذًا لأمر المأمون: أن الإمام اكتفى بالقول: بإن القرآن كلام الله لم يزد على ذلك، كما ذكرناه فيما سبق (٢).

ولنا أن نجمع ببساطة بين الموقفين، فنقول: إنه كان يحب في البداية أن لا يخاض في القرآن الكريم، بأي قول لم يثبت عن السلف، وقد كان ذلك واضحًا في كلامه مع المعتصم حينما قال له: "إلى ما دعا الله ورسوله؟ فسكت هنيهة، ثم قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله .... إلخ" (٣) وذكر قصة وفد عبد القيس، فكأنه يريد أن يقول: إن هذه المسألة مما ينبغي أن تطوى عن أن يخاض فيها أو تمتحن بها عقائد الناس استنانًا بالسلف.

لكن لما أصبحت تناقش في مجالس العلم ويتناظر الناس في شأنها خاف الإمام أحمد أن يتشوش الأمر على أهل السنة، فقال: إن القرآن كلام الله غير مخلوق، على أنه روي عن السلف أنهم كانوا يقولون ذلك.

لكن الموضوع لا ينتهي عند هذا الحد، فقد استجر الجدل في هذا الموضوع إلى ضرورة الإجابة عن الأسئلة التالية:

١ - ما حكم من يعتقد أن القرآن مخلوق، ويخالف الحق في ذلك؟

٢ - ما حكم التلفظ بكلام الله وتلاوته بالألسنة هل هو مخلوق أم لا؟

٣ - هل يجوز وصف القرآن بأنه قديم، باعتبار أنه وصف مناقض لكونه مخلوقًا ومساو لكونه غير مخلوق؟


(١) المناقب ص. ٤٤، السير ١١/ ٢٦٥.
(٢) ابن حنبل، لأبي زهرة ص ١٥٢.
(٣) المناقب ص ٣٩٩.